كتاب المطلب الحميد في بيان مقاصد التوحيد

الرد على احمد بن علي بن احمد بن سليمان المرائي - ص: 129

فالعارف يلتمس له العذر حيث أنه جاهل ولولا جهله لكانت هذه فرية منه عظيمة على دين الله.

ومن المعلوم عند من له أدنى مسكة من عقل ومعرفة أن الهجرة من أعظم فرائض الدين وهي أصل وقاعدة من قواعد الإسلام التي ينبني عليها الكثير من الأحكام ومن جهله أنه لم يميز الضرورة والضرر كما قد عرفت في١ كلامه الذي أسفلته.

ومن المعلوم عند من له بصيرة ودين أن الهجرة لا ضرورة فيها ولا ضرر فدعواه الضرورة ممنوعة من أصلها فغاية ما في الهجرة: بأن فيها مشقة في المبادئ على النفس من جهة مفارقة المألوف من الوطن أو المال أو غيرها من الأصناف الثمانية المذكورة في أول سورة براءة٢.

وهذا شأن الشرائع كالجهاد فإن فيه مشقة كما قال تعالى: {وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: ٨١] الآية؛ وقال تعالى: ََ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة:٢١٦] .

ولم يعذر الله تعالى أناسا٣ تخلفوا عن الجهاد في غزوة تبوك٤ بما فيها من المشقة حتى قال الله تعالى: فيهم شر ما قال لأحد فقال: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة:٩٥] .

ومن المعلوم أنه ليس في ترك الجهاد من المفاسد في الدين ما في ترك الهجرة بل المفاسد التي في ترك الجهاد موجودة في ترك الهجرة وأكثر منها كما لا يخفى على ذوي البصائر والفهم وكان من ثمرتها ومصالحها:

قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: تعالى: والشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها فهي تأمر بما يترجح مصلحته وإن

---

١ "ط": من.
٢ سورة التوبة الآيتان: ٢٣، ٢٤.
٣ "ط": ناسا.
٤ في رجب سنة تسع من الهجرة، وهي آخر غزاة عزاها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، وكان خروجه في عام جدب وفي حر شديد. الدّر في اختصار المغازي ٢٨.