الصحابة رضي الله عنهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كما كانوا يتوسلون بدعائه في حياته إذا قحطوا وثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج بالعباس ابن عبد المطلب عام الرمادة بمحضر من السابقين الأولين يستسقون فقال: عمر اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ثم قال إرفع يديك يا عباس فرفع يديه يسأل الله تعالى ولم يسأله بحاه النبي صلى الله عليه وسلم ولا بغيره ولو كان هذا التوسل حقا كانوا إليه أسبق وعليه أحرص فإن كانوا أرادوا بالتوسل دعاء الميت والاستشفاع به فهذا هو شرك المشركين بعينه والأدلة على بطلانه في القرآن كثيرة جدا فمن ذلك قوله تعالى {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلاَ يَعْقِلُونَ*قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فالذي له ملك السموات والأرض هو الذي يأذن في الشفاعة كما قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} وهو لا يرضى إلا الإخلاص بالأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة كما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة وغيره وأنكر تعالى على المشركين اتخاذ الشفعاء فقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فبين تعالى في هذه الآية أن هذا هو شرك المشركين وأن الشفاعة ممتنعة في حقهم لما سألوها من غير وجهها وإن هذا شرك نزه نفسه عنه بقوله تعالى {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فهل فوق هذا البيان بيان وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} فكفرهم بطلبهم من غيره أن يقربوهم إليه وقد تقدم بعض الأدلة على النهي عن دعوة غير الله والتغليظ في ذلك وأنه في غاية الضلال وأنه شرك بالله وكفر به كما قال {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} فمن أراد النجاة