للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فأما الدليل اللغوي على هذه المسألة فهو أن الاستقراء دلنا على أن لفظ الكفر حقيقة شرعية في الكفر الأكبر المخرج من الملة. وعلامة الحقيقة هي التبادر كما تقرر عند أهل البلاغة والأصول. فإذا أطلق هذا اللفظ، تبادر إلى الذهن معنى الكفر الأكبر، الذي هو المعنى الراجح لكونه المعنى الحقيقي للفظ. ولا ينبغي أن يصرف اللفظ إلى المعنى المرجوح، وهو هنا المعنى المجازي، أي معنى الكفر الأصغر، إلا بقرينة واضحة تحيل إرادة المعنى الأصلي.

وأما الدليل الشرعي فما جاء في الحديث الصحيح، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن" قيل: أيكفرن بالله؟ قال:" يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط" (١) .

ووجه الشاهد منه أن الصحابة فهموا من إطلاق لفظ الكفر معنى الكفر الأكبر المخرج من الملة، وهو الكفر بالله، فبين لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المراد هو كفر النعمة، وكفر الإحسان، ولم ينكر عليهم فهمهم، فكان إقرارا منه عليه الصلاة والسلام.

وفي تقرير هذه القاعدة يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:" عرف الشارع إذا أطلق الشرك إنما يريد به ما يقابل التوحيد، وقد تكرر هذا اللفظ في الكتاب والأحاديث حيث لا يراد به إلا ذلك" (٢) .


(١) - سبق تخريجه.
(٢) - فتح الباري: ١/٩٠.

<<  <   >  >>