(وينبغي الإمعان) أي المبالغة والتشديد (في التحذير) الموجه إلى من يتكلم في مواضيع التكفير، (من عدم التفريق) جهلا أو تجاهلا (في) باب (التكفير ما بين تكفير) مطلق (بلا تقيد) ولا تعيين (و) بين (حكم من عين بالتحديد) والمعنى أنه يجب التفريق بين التكفير المطلق وتكفير المعين، إذ (لابد فيه) أي: تكفير المعين (من ثبوت) شرعي (قاطع) لكل احتمال أو شبهة (للشرط) متعلق بـ"ثبوت"، (و) كذلك لابد من (انتفاء كل مانع) من موانع التكفير التي ستأتي بيان أهمها فيما يلي.
-
اعلم يا أخا السنة أن المسائل التي سأذكرها في هذا الباب قد بلغت في الخطورة مبلغا عظيما، وفي الدقة شأوا بعيدا، مع كونها كثيرة النفع لمن ضبط شرائدها، وقيد بأدلة الكتاب والسنة أوابدها، وصان عن التشرذم فوائدها. وأما من غفل عنها أو تغافل، فسكوته في مسائل الإيمان والتكفير أولى من كلامه، وإحجامه عن الخوض فيها أجدر به من إقدامه، بل كلامه فيها ضرب من الغواية والإغواء، ونوع من الضلال واتباع الأهواء، وقانا الله وإياك مزلات الأقدام ومضلات الأفهام.
وحاصل ما ذكرت في النظم أنه ينبغي التفريق بين أمرين اثنين:
أحدهما التكفير المطلق (وقد يسمى كفر النوع) وهو الحكم بالكفر على نفس الفعل أو القول، بقطع النظر عن تنزيل حكم الكفر على الشخص المعين الذي ارتكب ذلك الفعل أو نطق بذلك القول. فيقال مثلا: من (١) قال كذا أو فعل كذا فقد كفر أو فهو كافر. فهذا تكفير على العموم أو تكفير مطلق.
- وثانيهما: التكفير بالتعيين (وقد يسمى كفر العين) وهو الحكم بالكفر على الشخص المعين الذي فعل سبب الكفر من قول أو فعل مكفر. وهذا الحكم لا يكون إلا بعد التأكد من توفر الشروط ومن انتفاء الموانع.
(١) - لاحظ أن "من" اسم موصول، فهو من ألفاظ العموم كما تقرر في علم الأصول.