للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إذا علم هذا، فلا يتأتى الحكم بالكفر على المعين إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع. فالشرط هو ما يلزم من عدمه عدم الحكم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، وأما المانع فهو ما يلزم من وجوده عدم الحكم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم. وهذا التعريف الميسر أوضح وأوفى بالمقصود مما يتكلفه بعض الأصوليين من الحدود المنطقية (١) .

وشروط الحكم بالتكفير على المعين هي أن يكون هذا الشخص مكلفا (أي بالغا عاقلا خاليا من موانع التكليف كالصغر والجنون وغيرها) ، وأن يكون القول أو الفعل الذي وقع به التكفير صريحا غير محتمل، وأن يثبت صدوره من الشخص بطريق شرعي صحيح.

فأما الشرط الأول فمحل بحثه كتب أصول الفقه، في أبواب موانع التكليف وعوارض الأهلية. وأما الشرط الثاني فسيأتي الكلام عليه عند ذكر بعض قواعد التكفير، وأما الثالث فمحله كتب القضاء والبينات من أسفار الفقه.

وليعلم أن ما ذكرته من تعريف للشرط والمانع يقتضي أن ما كان وجوده شرطا فعدمه مانع والعكس بالعكس، وهذا أمر يوافق عليه جماهير الفقهاء كما يعلم من الوقوف على كتاباتهم، وإن خالف فيه بعض الأصوليين فاشترطوا في المانع أن يكون وصفا وجوديا لا عدميا (٢) . والظاهر أن الخلاف لفظي، فليحرر.

وعلى المذهب الأول، فإنه يكفي ذكر الشروط وحدها أو ذكر الموانع وحدها، وهذا الذي يسير عليه كثير من أهل العلم فلا يذكرون في هذا الباب سوى موانع تكفير المعين. والخطب في هذا كله يسير، بإذن الله تعالى.


(١) - يقول التاج السبكي مثلا في تعريف المانع: " هو الوصف الوجودي الظاهر المنضبط المعرف نقيض الحكم كالأبوة في القصاص". انظر جمع الجوامع (بشرح المحلي) : ١/٩٩.
(٢) - انظر تقريرات الشربيني على حاشية البناني: ١/٩٩ ومثله في حاشية العطار:١/١٣٧، لكن العلامة ابن القيم رحمه الله ينقل في بدائع الفوائد: ٤/١١-١٢ اتفاق الناس على المذهب الأول. والله أعلم.

<<  <   >  >>