للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكذلك ينبغي أن تكون الحجة بينة واضحة قاطعة للشبهة، وهذه صفة ما جاء به المرسلون، كما في قوله تعالى: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} ، وقوله جل ذكره: {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} ، وغير ذلك من الآيات. يقول ابن تيمية عليه رحمة الله: " وقوله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} ، قد علم أن المراد أنه يسمعه سمعا يتمكن معه من فهم معناه، إذ المقصود لا يقوم بمجرد سمع لفظ لا يتمكن معه من فهم المعنى، فلو كان غير عربي لوجب أن يترجم له ما تقوم به عليه الحجة، ولو كان عربيا وفي القرآن ألفاظ غريبة ليست من لغته، وجب أن نبين له معناها، ولو سمع اللفظ كما يسمعه كثير من الناس ولم يفقه المعنى وطلب منا أن نفسره له ونبين له معناه، فعلينا ذلك. وإن سألنا عن سؤال يقدح في القرآن أجبناه عنه، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أورد عليه بعض المشركين أو أهل الكتاب أو المسلمين سؤالا يوردونه على القرآن، فإنه كان يجيبهم عنه" (١) .

فظهر من هذا الكلام النفيس، أن فهم الحجة شرط في صحة قيامها على المكلف. والمقصود بفهمها معرفة المعنى المراد منها، وتمام الإدراك لها ولما يراد منها، أما الفهم بمعنى القبول والانقياد والإذعان، فلا يشترط في إقامة الحجة. وعلى هذا المعنى الثاني لفهم الحجة ينبغي أن يتنزل تفريق كثير من علماء الدعوة النجدية بين بلوغ الحجة وفهمها، وقولهم أن من بلغته الحجة قامت عليه وإن لم يفهمها.

أما المعنى الأول للفهم، فلا ينبغي أن ينازع أحد من أهل العلم في كونه شرطا في قيام الحجة.

المسألة الثالثة: هل تقوم الحجة بمجرد العقل؟


(١) - الجواب الصحيح: ١/٦٨.

<<  <   >  >>