للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذه المسألة هي المشهورة في كتب الأصول والعقائد بمسألة التحسين والتقبيح العقليين، وهي من المباحث العظيمة التي اشتد حولها الخلاف أولا بين المعتزلة والأشاعرة، ثم ظهرت إضافات علمية لفرق أخرى. ومجمل الخلاف فيها يدور حول نقطتين اثنتين:

الأولى: هل العقل يصلح أن يكون سبيلا لإدراك الحكم؟

الثانية: هل إدراك العقل للحكم-على فرض إمكانه- مناط للتكليف؟

أما النقطة الأولى فحاصل الخلاف فيها بين مختلف الطوائف يرجع إلى أقوال ثلاثة:

المعتزلة ومن نحا نحوهم قالوا إن الفعل إن كانت مصلحته غالبة أو كان مصلحة محضة كان حسنا، وإن غلبت مفسدته أو كان مفسدة محضة كان قبيحا. ويترتب على إدراك الحسن والقبح في الفعل عن طريق العقل، إدراك حكم الله تعالى فيه (١) .

الأشاعرة ومن معهم- وهم الذين يسميهم شيخ الإسلام نظار المجبرة- قالوا: ليس في الفعل قبح ذاتي ولا حسن ذاتي، وإنما يأخذ صفة الحسن والقبح بعد حكم الشارع الذي هو السبيل الوحيد لإدراك الحكم. فلو أن الشارع أمر بالزنا أو شرب الخمر لكان ذلك حسنا.

الماتريدية قالوا: يوجد في الفعل حسن أوقبح ذاتيان، وقد يدرك العقل هذا الحسن والقبح استقلالا عن الشارع. وهذا المذهب الثالث- الذي هو قول أهل السنة كما نقله عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم في مواضع متفرقة من كتبهما- غير مشهور في كتب أصول الفقه، ويهمله كثير من المؤلفين فيه، وقد عاتبهم على هذا الإهمال الشيخ بخيت مطيعي في "سلم الوصول".

أما النقطة الثانية ففيها قولان اثنان:

الأول هو قول المعتزلة وعندهم أن الإدراك العقلي مناط التكليف، أي: أن الناس محاسبون بمقتضى عقولهم. والثاني قول أهل السنة ومن معهم وهو أن الحساب والعقاب لايكون إلا بعد بلوغ الحجة الرسالية، للأدلة التي سقتها فيما سبق.


(١) - انظر طريقتهم في إدراك الأحكام الخمسة عن طريق العقل في ما كتب على جمع الجوامع، عند قوله: " وحكمت المعتزلة العقل ".

<<  <   >  >>