للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فإن حُمل كلام هؤلاء الأئمة على هذا المعنى كان صحيحا ولاغبار عليه، وأما إن بقي على إطلاقه فهو زلة خطيرة تفتح الباب على مصراعيه أمام فكر الخوارج ومناهج غلاة التكفيريين، وحسبك بهذه النتيجة خطورة وتهديدا لكيان الأمة. وبالمقابل، فإن فتح باب العذر بالجهل، بقطع النظر عن الضوابط المسطرة فيما سبق، يؤدي إلى تمييع شنيع لباب التكفير.

والحق دائما وسط بين أهل الغلو وأهل التقصير. والله أعلم.

قلت في النظم:

هذا ومن موانع التكفير

أن يُكره العبد على المحذور

الشرح:

المانع الرابع: الإكراه.

الإكراه هو إلزام الغير بما يريده (١) . وقد نقل الأصوليون الخلاف في تكليف المكره على مذهبين كبيرين:

-مذهب المعتزلة وهو عدم التكليف مطلقا،

-ومذهب الأشاعرة وهو تكليفه. والحق أن الأصل في المكره التكليف، ولكن مع تفصيلات:

فإذا خالف داعيةُ الإكراه داعيةَ الشرع مثل الإكراه على القتل، فلا خلاف في جواز التكليف به. قال أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله:" انعقد الإجماع على أن المكرَه على القتل مأمور باجتناب القتل والدفع عن نفسه وأنه يأثم إن قتل من أكره على قتله" (٢) .

وأما إن وافق داعيةُ الإكراه داعيةَ الشرع كمن أكره بالسيف على قتل حية همَّت بقتل مسلم، أو الإكراه على قتل الكافرالحربي، فهذا هو الذي وقع فيه الخلاف. فالمعتزلة قالوا بامتناع التكليف لأنه لايصح منه إلا فعلُ ما أكره عليه، فلا يبقى له خيرة. وقال الآخرون بجوازه لقدرته على الإمتثال بأن يأتي بالمكرَه عليه لأجل داعي الشرع، كمن أكره على أداء الزكاة فنواها عند أخذها منه. قال الغزالي:" وهذا ظاهر، ولكن فيه غور " (٣) .

التفصيل بين أن يكون الفعل المكرَه عليه متعلقا:

ا- بحقوق العباد، فالأصل أنه مكلف لأن حقوق العباد مبنية على المشاحة. وهذا مثل الإكراه على القتل.


(١) - فتح الباري: ١٢/٣٨٥.
(٢) - فتح الباري: ١٢/٣٨٦.
(٣) - المستصفى: ١/١٧٠.

<<  <   >  >>