للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإلى جانب هذه الأحاديث الصريحة الصحيحة، فإن تكفير المسلم فيه تكذيب بخبر الله تعالى وخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ورد على الله تعالى أمره، وكفى بذلك كفرا مستبينا، وضلالا وبيلا.

على أن هذا الوعيد لايلحق من اجتهد عن علم وروية، فأخطأ في تكفير أحد المسلمين، ولم يكن مكذبا بحكم الله ورسوله، ولا هازلا خائضا لاعبا. إذ مثل هذا المجتهد المخطىء داخل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -:" إذا حكم الحاكم فأخطأ فله أجر" (١) ، فالتكفير لايعدو أن يكون حكما من الأحكام الشرعية. وقد حدث في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقائع كثيرة تفيد أن المجتهد المخطىء في التكفير لايحور عليه الكفر بل ولا يحاسب على خطئه.

ومن الأمثلة قول أسيد بن حضير لسعد بن عبادة في مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنك منافق تجادل عن المنافقين"، وذلك لما ورد في كلام سعد ما يفيد مجادلته عن عبد الله بن أبي بن سلول (٢) .

ومنها نبز عمر بن الخطاب حاطبَ بن بلتعة بالنفاق واستئذانه رسول الله صلى الله عيه وسلم في ضرب عنقه في القصة المشهورة قبيل فتح مكة (٣) ، وغير ذلك من الوقائع. والله أعلم.

قلت في النظم:

ويحرم التكفير بالمآل

كذا الذي بلازم الأقوال

كذاك تكفير بفعل محتمل

غيرِ صريح في المراد لا يحل

الشرح:


(١) - رواه البخاري في الاعتصام-باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ-برقم: ٧٣٥٢ (ص١٤٠٠) ، ومسلم في كتاب الأقضية-باب النهي عن كثرة المسائل، برقم: ١٧١٦ (٧١٣) . ومعناه متواتر.
(٢) - في حديث الإفك الطويل الذي أخرجه البخاري في الشهادات-باب تعديل النساء بعضهن بعضا، برقم: ٢٦٦١ (ص٥٠٤) ، ومسلم في التوبة-باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف برقم: ٢٧٧٠ (ص١١١٢) .
(٣) - رواه البخاري في الجهاد والسير-باب: الجاسوس برقم: ٣٠٠٧ (ص٥٧٥) ، ومسلم في فضائل الصحابة-باب من فضائل أهل بدر برقم: ٢٤٩٤ (ص١٠١١) .

<<  <   >  >>