للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(الفؤاد؟!) . وحاصل الإنكار أن من حصر الكفر في الاعتقاد القلبي- كما هو مذهب طوائف المرجئة- يلزمه أن لا يكفر أحدا إلا بعد اطلاعه على باطن قلبه وتحققه من وجود الاعتقاد الكفري فيه! ولما كان هذا أمرا محالا لزمهم تضييق دائرة التكفير إلى أبعد الحدود. فغلاتهم التزموا عدم التكفير بالذنوب المكفرة لذاتها، ففارقوا الإجماع، ومعتدلوهم – وهم مرجئة الفقهاء- تمحلوا وتأولوا ليتأتى لهم أن ينفصلوا عن هذا الالتزام، وبيان هذا عنده شرح البيت المقبل.

وأما أدلة صحة هذه القاعدة، أقصد قاعدة اعتبار الظاهر في الحكم بالكفر، وعدم حصره في الاعتقاد الباطن، كثيرة جدا، أذكر بعضها:

- قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» (١) . وهو ظاهر في أن حرمة الإسلام لا تثبت إلا بأمور ظاهرة غير خفية.

- قوله - صلى الله عليه وسلم - لأسامة لما قتل من قال '' لا إله إلا الله '' في القتال: «أشققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا» (٢) . قال النووي في الشرح: «فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر والله يتولى السرائر» (٣) .

- قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم له ذمة الله وذمة رسوله» (٤) . وهو واضح في المقصود.

- قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم» (٥) وذلك لما قال له خالد: «وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه» .


(١) - سبق تخريجه.
(٢) - سبق تخريجه.
(٣) - شرح مسلم: ١/٨٩.
(٤) - رواه البخاري في الصلاة-باب فضل استقبال القبلة، برقم: ٣٩١ (ص٩٨) .
(٥) - سبق تخريجه.

<<  <   >  >>