والأصل في رواية المبتدع إذا كان ضابطاً ثقة القبول، سواء روى فيما يوافق بدعته أم لا، ما لم يكن قد كفر ببدعته، فحينئذ يرد لكفره، وعلى هذا الأئمة الحفاظ، فهم يخرجون للمبتدع إذا كان ثقة ثبتاً، ويصححون خبره، فقد أخرج الإمام أحمد في "مسنده" ومسلم في "صحيحه" والنسائي في "الكبرى" و"المجتبى" والترمذي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" وابن منده في كتاب "الإيمان" والبيهقي في "الاعتقاد" وغيرهم من حديث عدي بن ثابت عن زر قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إليّ أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق.
وعدي بن ثابت ثقة وصفه بالتشيع الأئمة كابن معين والإمام أحمد وأبي حاتم ويعقوب بن سفيان، بل قال المسعودي:
(ما رأيت أقول بقول الشيعة من عدي بن ثابت) انتهى.
ومع هذا أخرج له الأئمة.
بل قال بتوثيقه من وصفه بالتشيع وأخرج له فيما يوافق بدعته كالإمام أحمد بن حنبل والنسائي.
وقد قال علي بن المديني:
(لو تركت أهل البصرة للقدر، وتركت أهل الكوفة للتشيع لخربت الكتب) انتهى.
وأهل البدع يختلفون في احترازهم بالرواية والصدق، وأصحهم حديثاً وأشدهم تحرياً الخوارج.
قال أبو داود:
(ليس في أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج) انتهى.
وكلما تأخر العصر بأهل البدع، وتقادم العهد بهم، قل احترازهم في الرواية، وتحريهم للصدق، وذلك لظهور التعصب وقلة الديانة، فمن تقدم منهم أحسن حالاً واحترازاً ممن تأخر.
وأخرجه البيهقي في "الكبرى": (٩/٢٤٦) وعبد الرزاق: (٤/٤٦٥) وابن أبي شيبة في "المصنف": (٥/٣٨٥، ٣٨٦) من طريق سفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: إن بعيراً لي نَدَّ فطعنته برمح، فقال: أهد لي عُجُزه.
وإسناده منقطع، وجاء موصولاً من طريق حبيب، أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": (٥/٣٩٣) وابن حزم في "المحلى": (٧/٤٤٧) : من طريق وكيع ثنا عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت عن مسروق أن بعيراً تردى في بئر، فصار أسفله أعلاه، قال: فسألنا علي بن أبي طالب فقال: قطعوه أعضاء وكلوه.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف": (٥/٣٨٦، ٣٨٧) من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن ثوراً حرث في بعض دور المدينة فضربه رجل بالسيف، وذكر اسم الله عليه، فسئل علي فقال: ذكاة وجبة، وأمرهم بأكله.
وإسناده منقطع.
وأما أثر ابن مسعود:
فأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف": (٥/٣٧٣) من طريق عيسى بن يونس عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن رجل ضرب رِجْلَ حمار وحش فقطعها، فقال: دعوا ما سقط وذكوا ما بقي فكلوه.