النفس، وأخرجوه من هناك إلى أرض واسعة كثيرة الفواكه فيها من أصناف الثمرات مالا يوجد مثله ببلد من البلدان، فقالوا له أتصل بنا إلى اكثر من هذا؟ قال والله ولا إلى بعضه، فقالوا فهذا بين أيدينا فما نلتفت إلى شئ منه، وإنا لنؤثر الحشيش عن هذه الفواكه، فذهب أصحابه ليأخذوا من ذلك الجوهر شيئا فمنعهم، وودع القوم وانصرف إلى مركبه متعجبا منهم.
وحكي أنه ذكرت له جزيرة في البحر الأخضر فيها قوم حكماء فصار إليهم فرأى قوما سرابيلهم ورق الشجر وبيوتهم الكهوف، وعليهم السكينة فسألهم عن مسائل من الحكمة فأجابوه فقال لهم سلوني ما أحببتم، فقالوا له إنا نسألك الخلد فقال أنى لي به، ولا أقدر على زيادة نفس واحد في أنفاسي! فقالوا فعرفنا بقية آجالنا، فقال أنا لا أعرف بقية أجلي، فكيف لي بمعرفة أجل غيري! قالوا فامنحنا منحة تبقى لنا ما بقينا، فقال وهذا ما لا أبلغه لنفسي فكيف لغيري! قالوا فدعنا نطلب ذلك ممن يقدر عليه! وجعل الناس منهم يتطاولون بالنظر إلى عساكر الاسكندر، وكان على شاطئ البحر رجل حداد لا يرفع بصره إليه، ولا إلى شئ من عساكره فعجب الاسكندر من ذلك فأقبل عليه وقال له ما منعك من النهوض إلي والنظر إلى عسكري؟ فقال له لا يعجبني ملكك فأنظر إليه! قال ولم؟ قال أني عاينت قبلك ملكا لا يبلغ ملكك ملكه، وكان في جواري رجل مسكين
لا يملك شيئاً، فمات الملك والمسكين في يوم واحد، ودفنا في ناحية واحدة فكنت أتعاهدهما حتى بليت أكفانهما وبقيت رممهما، ثم اختلطا فجهدت إن اعرف الملك والمسكين فلم أقدر على ذلك، فهان عليَّ كل ملك بعد ذلك.
قال فصناعتك تكفيك؟ قال أنا اكسب بها ثلاثة دراهم كل يوم أنفق درهما واقضي درهما وأسلف درهما، فالدرهم الذي انفق هو مؤنتي ومؤنة عيالي