والتقينا في اليوم التالي على مائدة شاي في مكان بعيد، وكان معنا السيدة المصرية المعروفة.. وبدأ يحدثني عن صفقة شراء ناقلة السوائل "لوتشيا" التي اشتراها السلاح البحري الملكي، وأطلق عليها اسم الغردقة.
إن هذه المركب عرضها أحد التجار -واسمه "الكابتن عزو"- على السلاح البحري بمبلغ ٢٢ ألف جنيه تقريبًا.. ورفض السلاح البحري شراءها بحجة أنه ليس في حاجة إليها، وبعد ثلاثة أشهر اشترى السلاح البحري هذه المركب بالذات بمبلغ ٣٦ ألف جنيه تقريبًا..
وهذا في حين أن ثمن المركب الأصلي لا يزيد عن ١٦ ألف جنيه!!
وسلمني الرجل الإنجليزي الكريم المستندات الخاصة بالمكاتبات بين التاجر حسن عزو والسلاح البحري الملكي. وكانت مستندات لا تقبل الشك، ورغم ذلك فإني لم أسلمها إلى النيابة توًّا، كما لم أنشر عنها شيئًا؛ لأن أمر الحظر كان قائمًا؛ إنما أرسلت بعض أصدقائي إلى الإسكندرية ليتأكدوا من واقعة شراء هذه المركب بالذات بمبلغ ٣٦ ألف جنيه، كما تأكدت من هذه الواقعة عندما عثرت على صورة هذه المركب في مكتب التاجر الذي تولى بيعها للسلاح البحري.. واستغرقت هذه التحريات أربعة أسابيع، توجهت بعدها إلى النيابة العامة، وسلمت هذه الأوراق إلى الأستاذ مختار بك قطب الذي يتولى التحقيق في صفقات البحرية، وعندما اطلع عليها في مكتب النائب العام شد على يدي مهنئًا، فقد كان يبحث بنفسه عن أسرار هذه الصفقة!
وأدليت بأقوالي أمام الأستاذ مختار قطب، ولم أذكر اسم الرجل الإنجليزي ولا أشرت إليه؛ احتفاظًا بسر المهنة؛ ولكن استمرار التحقيق وتشعب أطرافه دل على اسمه، فاستُدعى كشاهد وأدلى بأقواله في مواجهتي، ثم قمت بترجمة هذه الأقوال له إلى اللغة الإنجليزية قبل أن يوقعها بإمضائه، وثبتت الواقعة واتهم بها أمير البحار وياور جلالة الملك أحمد بدر بك.
وبعد.. فإني لم أنتهِ من ذِكْرِ جميع وقائع التحقيق.. ولكني أكتفي بهذا القدر إلى أن تُنظر القضية.. حتى لا أتعرض لأسرار ليس من صالح القضية إزاحة الستار عنها الآن١.