وهل اطمأن النائب العام ووكلاؤه على مصائرهم في جميع مراحل القضية؟!
إني أترك الإجابة على هذا التساؤل لما يمكنني سرده من تطورات الحوادث التي مرت بهذه القضية؛ ولكني أحب أولًا أن ألفت النظر إلى أنه كان من المغالاة أن نطلب من النائب العام السابق أن يكون ملاكًا، أو أن يكون بطلًا وطنيًّا، فقد كان يكفي أن يكون رجلًا، وهو فعلًا كان رجلًا وخيرًا من كثيرين غيره من الرجال، رغم أنه في الخامسة والخمسين من عمره وله ثمانية أولاد صغار؛ ولكنه كان يخضع لجميع المؤثرات التي يخضع لها الرجال جميعًا، وأولها الحرص على بقائه في منصبه، والحرص على مستقبله، والحرص على أن يجنب نفسه طغيان ظالم، أو دسيسة واش، ثم إنه كان في حاجة إلى أن يشعر بالاستقرار حتى يستطيع أن يؤدي عمله، وحتى يكتسب ثقة معاونيه وتضامنهم معه..
وقد حاول كثيرًا أن يقاوم هذه المؤثرات التي يخضع لها جميع الرجال الذين قدر عليهم أن يتولوا مناصب الدولة، وحاول كثيرًا أن يبين وجة المصلحة العامة لمن لا يستطيع أن يرى إلا بعين المصلحة الخاصة.. ولكن مقاومته لم تُجْدِ، وجاء يوم أحس فيه أن الدنيا كلها قد انفضت من حوله، وتكشفت له وجوه القوم عن مخادعين وجواسيس، فخارت قواه، وبدأ يفقد ثقته في الرأي العام، ويتجه إلى أصحاب الرأي الخاص.. ورغم ذلك لم يغفر له ضعفه ولم تغفر له وَحْدَته، فلحقته يد الانتقام، وأخرج من منصبه قبل أن يتم مهمته..
ولم يستطع محمد عزمي بك أن ينأى بنفسه عن الاتهام، فاتهم بأنه كان يساوم أثناء التحقيق على رفع قيمة مرتبه.. وذلك غير صحيح، فقد رفع مرتبه فعلًا من ١٥٠٠ جنيه إلى ١٨٠٠ جنيه قبل أن يبدأ التحقيق في قضية الجيش، وكان وزير العدل يعارض في هذه الزيادة، وكان يريد أن يرفع قيمة مرتب النائب العام إلى ١٦٠٠ جنيه فقط١.