من غير الممكن ومن غير المرغوب فيه إثبات جميع ما جمع، وبخاصة إذا كان موضوعه مطروقا كثرت البحوث عنه، فعلى الطالب حينئذ أن يظهر مقدرته في تقدير المادة التي جمعها ليتمكن من الاختيار منها، فعملية الاختيار أو قل التصفية تتوقف قبل كل شيء على مقدرة الطالب على تقدير قيمة بضاعته ومادته ليأخذ بعضها ويدع بعضها الآخر، وبطبيعة الحال سيتدخل في تقدير قيمة المادة طرافتها، وعدم ذيوعها، ودقة المرجع الذي أخذت منه، وقبل كل شيء فائدتها لموضع البحث.
وليس من الحكمة أن نتجاهل صعوبة ترك بعض المادة وعدم الانتفاع بها في الرسالة، فالطالب كثيرا ما يتأثر بما بذل من جهد وما لاقى من عناء حينما كان يجمع هذه المادة، وهو لهذا يضن بها ألا يستعملها، ولكن على الطالب أن يتذكر أن حشر مادة غير ضرورية سيؤثر حتما في جمال الرسالة، وسيقلل من قيمتها، وعليه أن يدرك أن القيام بالبحث لا يكون لإنتاج الرسالة فقط، بل للتزود بثقافة رفيعة في موضوع تخصصه، فهو لا شك قد استفاد بما قرأ وبما جمع من مادة إن لم تكن لازمة في الرسالة فهي لازمة في حياته العملية وفي إنتاج أبحاث أخرى يقوم بها في دراساته في المستقبل.