٢ هذا أحد الوجوه التي ردّ إليها أكثر المفسرين معنى النص، ولكن الفعل "حمل" مستعمل هنا استعمالًا مزدوجًا في القرآن، فهو أحيانًا يعني تحمل التكليف في مثل قوله: {عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} [النور: ٥٤] , وقوله: {حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ} [الجمعة: ٥] , وهو أحيانًا بمعنى "تحميل الخطأ" في قوله تعالى: {يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا} [طه: ١٠٠] , وقوله: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه: ١١١] . واستنادًا إلى هذا المعنى المزدوج للفظ، حمله بعض المفسرين على معناه الثاني، وهاك معنى النص تبعًا لما ذهبوا إليه, ومع أن المخلوقات الأخرى قد وفّت بمهمتها، حين خضعت لقانون "الطبيعة" دون مقاومة {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: ١١] , فإن الإنسان الذي لم يطع القانون "الأخلاقي" يبقى محملًا به، {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} [التكوير: ٢٣] , فالأمر لا يتعلق إذن بالإنسان بعامة، بل بالكفار والعصاة وحدهم، وهو تفسير -لا ريب- معقول، في ذاته، ولكنه فضلًا عن ذلك التقييد الذي يفرضه على مفهوم "الإنسان" الذي جاء غير محدد في النص، فهو لا يحقق على وجه الدقة التطابق المطلوب بن الضمائر والأسماء التي تتعلق بها، إذ لم تعد الأمانات المعروضة على الإنسان، وغيره من المخلوقات -كما هي، وصار من اللازم أن يكتفى بالتقائها في الفكرة العامة للأمانة، كما أصبح لازمًا اللجوء إلى فكرة مجازية، حتى نقرر للطبيعة نوعًا من الالتزام تجاه القانون.