للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحق أن الاعتراض من هذا الجانب العاطفي ليس دقيقًا؛ لأنه ليس عسيرًا أن نجيب عليه بأن مسألة المنافسة لا موضع لها في جنة الله. وقلوب السعداء منزوع منها كل حقد، أو تحاسد فيما بينها: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} ١، وبأنه، حتى في هذه الحياة، يجب استبعاد كل أثرة بين السلف والخلف، وبخاصة من ناحية الأولين؛ فإن الآباء يشهدون دائمًا أنهم لا يجدون سوى الرضا الكامل، حين يرون أولادهم يتمتعون بمثل ما ذاقوا من سعادة، إن لم يكن بأكثر منه.

ولكن، لنفترض أن العالم كله قد حصل على هذا الرضا، أفترضى العدالة في ذاتها بهذا؟ ولماذا الإحسان إلى بعض الناس، وعدم الإحسان إلى الآخرين بنفس القدر؟ ألم يكن للكرم أيضًا حق في عدم المحاباة؟

لقد كان هدف جميع محاولات المفسرين أن يسوغوا الحكم الإلهي الذي يسوي "في الواقع" بين طرفين غير متساويين "في الحق" بحسب طبيعتهما الخاصة، وبدا لنا أكثر مشروعية -قبل أن نحاول تقديم تسويغ- أن نسأل أنفسنا أولًا عما إذا كانت مساواة من هذا القبيل مستفادة من النص المذكور.

إننا حين نرجع إلى النص العربي نلاحظ أن كلمة "ألحق" يمكن أن تفسر بمعنى "شبه" أو بمعنى "أتبع وضم"، فإذا لم يكن في السياق شيء يحتم أحد هذين المعنيين، فإن هناك مع ذلك عدة اعتبارات لغوية وأخرى ذات طابع عقلي، تدفعنا إلى أن نختار المعنى الأخير.

ومن المقرر، كقاعدة عامة، فيما يتعلق بتفسير الألفاظ الملتبسة، أنه يجب أن نحملها بقدر الإمكان على المعنى الحقيقي، وهو أقل التباسًا. فإذا كان حقًّا أن أحد المعنيين مادي محسوس، والآخر مجرد، ذو طابع أخلاقي، وهو لا يكون غالبًا إلا بوساطة القياس، فإن المعنى الأولي بأن نأخذ به.


١ الحجر: ٤٧.

<<  <   >  >>