للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهنالك اعتراض أخير، قد يثار ضد هذا المبدأ، وهو ما يمكن أن يستقى من فكرة "الشفاعة" بمعنى "التوسط عند الله يوم القيامة، سواء من ناحية الملائكة، أو الأنبياء، من أجل الصالحين، أو من ناحية المؤمنين من أجل إخوانهم". وهي فكرة نجد أصلها في كثير من الأحاديث التي عرفت بأنها صحيحة.

فما دور هذا التدخل، وما أهميته؟ إذا حكمنا عليه قياسًا على ما يحدث أمامنا في هذه الدنيا فسوف نقول بأن مصير المشفوع له يمكن أن يتعرض لتغيير جذري أو لتعديل، تحت إلحاح الشفيع، أو ضغطه. وأن هذا المصير سوف يكون شيئًا آخر غير ما يستحق، وغير ما كان قد قدر بدون هذا التدخل. وإذن فهو فضل غير مستحق، أو جزاء يأتي من خارج. وفكرة الشفاعة بهذه الصورة تتضمن أخطاء فادحة، إنها من صميم الوثنية العربية التي كانت مهمة الإسلام الأولى أن يجاهدها، والتي وقف القرآن ضدها من أوله إلى آخره. واقرأ معي هذه الآيات الكريمة: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} ١، {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} ٢، {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} ٣، {لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} ٤، {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} ٥، {وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ} ٦، {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} ٧، {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} ٨، {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ٩، {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} ١٠، {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} ١١. ومجموع هذه النصوص يستخلص منه


١ البقرة: ٢٢٥.
٢ يونس: ٣.
٣ الرعد: ٤١.
٤ طه: ١٠٩.
٥ الأنبياء: ٢٨.
٦ المؤمنون: ٨٨.
٧ سبأ: ٢٣.
٨ الزمر: ٤٤.
٩ الزخرف: ٨٦.
١٠ النجم: ٢٦.
١١ النبأ ٣٨.

<<  <   >  >>