للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نسبة العمل إلى الإنسان بصفة عامة، بل لا بد من وجود صفة مميزة، وهي أن هذا العمل يؤدي إلى استحقاق من الثواب أو العقاب.

وعليه، فمن الضروري لكي نخلع على أي عمل هذه الصفة، أن يكون هذا العمل الإرادي متصورًا من ناحية صاحبه بنفس الطريقة التي تصوره بها المشرع. وكما أنه في المنطق لا يوجد تماثل أو تعارض إلا إذا أخذ الطرفان المتماثلان، أو القضيتان المتعارضتان في ظروف واحدة، فكذلك الحال في علم الأخلاق، لا يوجد طاعة أو عقوق إلا إذا كان هناك توافق كامل بين العمل باعتباره مأمورًا به أو محرمًا، وبين ذاته باعتباره قد حدث فعلًا.

ولنأخذ على ذلك مثلًا، أنك تخرج لممارسة القنص في إحدى الغابات، أو الصيد في إحدى البحيرات، وتعتقد أنك قد صوبت سلاحك نحو صيد، على حين أنك فعلًا أطلقت النار على إنسان، وتريد أن تصطاد سمكة، فيكون ما أخرجته طفلًا غريقًا يفجؤك. فمع أن التماثل حادث في هذه الأعمال من "الناحية المادية" مع الأعمال التي تشكل موضوع القانون، نجد أنها غير متماثلة من "الناحية الكيفية"، فقد أردت عملًا مباحًا أو محايدًا، على حين أن القانون قد رسم عملًا ملزمًا أو محرمًا. لقد كان موضوع تنظيم القانون هو حياة الكائن الإنساني، ولكنك لم تقصد إلى إنقاذ حياة كائن إنساني أو إنهائها، فليس ما أزمعت تحقيقه هو العمل المستحق للثواب أو العقاب.

وإذن فإن الاستحسان الأخلاقي، أو الاستهجان كلاهما حكم يقوم على الصفة المحددة التي تصورتها القاعدة. فأي انحراف بريء للإرادة يرى الأشياء بصورة مختلفة -لا يقع مطلقًا تحت طائلة القانون.

وعندما يقول القرآن: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} ١ -نتساءل: ماذا يقصد بهذه الأيمان؟


١ البقرة: ٢٢٥ والمائدة ٨٩.

<<  <   >  >>