للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشر يكمن أساسًا في مبدأ الإرادة، فمن البدهي أن المذنب ينبغي أن تبرأ ساحته بمجرد تغييره لموقفه من القانون، ولسوف يكون بالفعل بريئًا في نظر الحكم الأعظم. ولقد أفاض القرآن وعودًا جميلة لأولئك الذين يرجعون عن ذنوبهم، فهل الأمر كذلك بالنسبة إلى الحدود التي تفرض في الحياة الدنيا؟ هل تكفي التوبة، والندم، والعدول عن الذنب لتخليص المذنب من العقوبة التي كان يجب أن يتعرض لها؟

لقد واجه القرآن بالنسبة إلى حالة واحدة هذا السؤال، وأجاب عنه بالإيجاب، وتلك هي حالة التمرد على العدالة بالقوة السافرة "الحرابة"، فتبعًا لخطورة الحالة -وقد ترك القرآن للقاضي أو المشرع أمر تقديرها- يستحق المحاربون حد الموت، أو تقطيع الأعضاء، أو النفي: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ١ ولكن يجب أن نلاحظ أن هذه هي الحالة الوحيدة في الشريعة الإسلامية، برغم النقاش الذي أثاره هذا النص بين الفقهاء٢، فيما يتعلق بتحديد الحقوق التي تسقط بهذا الإعفاء.


١ المائدة: ٣٣-٣٤.
٢ على حين مد بعضهم هذا الإبطال إلى جميع الجزاءات المتعلقة بالحقوق العامة، التي ينتهكها العصاة المحاربون، بصرف النظر عن رد الأشياء التي ما زالت في أيديهم -يستثني آخرون أيضًا القاتل الذي لم تعف عنه أسرة الضحايا، وفريق ثالث يتحفظ أيضًا بالنسبة إلى جميع الأضرار التي لم يتنازل عنها أصحاب الحق فيها. وفريق رابع، ومنهم الإمام مالك، لا يخلعون على هذه التوبة سوى أهمية ضئيلة، ويعلقون بخاصة على أن هناك نوعية واستثناء في جزاء المحاربين "أعني تطبيقه على قطاع الطرق غير القتلة، أو اللصوص"، وترى هذه المدرسة الأخيرة أن المحاربين الذين يعودون إلى كنف المجتمع باختيارهم يستحقون أيضًا جميع العقوبات المتصلة بالحق العام العادي، وكذلك بالأحوال الشخصية، التي يطلق عليها: حق الله، ومثال ذلك عقوبة الخمر. "المؤلف".
وقد اعتمد المؤلف في تعديد هذه الأقوال على ما ذكره ابن رشد في "البداية ٢/ ٤٩٧"=

<<  <   >  >>