للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والواقع أن السنة تقدم لنا حالات زنا، يتقدم المذنبون فيها ليقروا تلقائيًّا بجريمتهم، وليطلبوا بإلحاح تطبيق العقوبة عليهم، وعليه فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- مع علمه بعظمة هذه اللمحة منهم، وروعة القيمة في توبتهم -لم يتردد في أن يوقع عليهم الجزاء المنصوص عليه في الشرع، وكذلك الحال في كل اعتداء يرتكب ضد شخص الغير، أو ماله، أو عرضه، ثم يتوب المعتدي قبل أن يعاقب.

فالموقف الداخلي الذي كان يعتمد عليه في تجريم الفعل لا قيمة له إذن حين يكون المطلوب إيقاف الآثار السيئة التي حدثت من قبل، إذ تتدخل هنا بالذات اعتبارات مختلفة، فوق الاعتبارات الشخصية extra - personnelles هي التي تفرض الجزاء، أما الندم، والتوبة، والإرادة الطيبة التي عادت مرة أخرى، فربما تكفي لتحسين حال المذنب، وتأكيد احترامه للقانون، ولكنها لا تكفي لتهدئة المشاعر الأليمة التي أثارها المذنب لدى الأشخاص الذين انتهك حقهم المقدس في الحياة، وفي الأمن. سوف تضمن لنا هذه المعاني -على الأكثر- أنه لن يعود إلى الجريمة، ولكنها لا تستطيع أن تضمن أنه لن يكون قدوة تحتذى من أولئك الذين يعملون على اتباعه، وإذن فإن هناك ضرورة مزدوجة، خارج الأمر الأخلاقي، أو مبدأ العدالة المجرد، هذه الضرورة تفرض نفسها على أنها محتومة، وهي تنظر إلى الماضي وإلى المستقبل معًا وتتطلب تطبيق العقوبة، حتى عندما يصبح جانب المبدأ الأخلاقي مستوفى راضيًا بطريقة أخرى. هذه الضرورة المزدوجة هي -من ناحية- اقتضاء شرعي من الأفراد ذوي الشأن في العمل، وهم الذين أهينت مشاعرهم نتيجة الشر الحادث، وهي من ناحية أخرى: حفاظًا على النظام العام، وصيانة للمجتمع ضد العدوى الأخلاقية، حين لا يعاقب الشر بمثله، وتوقيًا من تشجيع الشر، إذا ما بقي المذنب دون عقاب.

<<  <   >  >>