للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إمكان وجود مثل هذا الجزاء، أليس هذان اللفظان متنافرين تمامًا؟ أليس إنكارًا لطبيعة القانون الأخلاقي المنزهة على الإطلاق -أن نقترح للنشاط الإنساني غاية أخرى، غير أداء الواجب لذاته؟

في رأينا، أن الاعتراض يقوم على نوع من الخلط المؤسف بين علم الأخلاق والنزعة الأخلاقية، بين مقتضى العدالة في ذاتها، والأهداف التي تنشدها الإرادة؛ وهما أمران متمايزان تمامًا، دون أن يتوازيا بالضرورة. ولسنا نرى في الواقع أية إحالة في أن يكون لقانون معين جزاء صارم دون أن يدعونا أن نتخذ من جزاءاته حافزًا لجهدنا، والقانون الفيزيولوجي "العضوي" يقدم لنا مثالًا على هذه الحقيقة: أليس جزاء الظروف الصحية التي أعيش فيها -موجودًا آليًّا في الصحة والمرض اللذين تسببهما، حتى عندما لا أفكر قط في هذه النتائج؟ فلماذا يكون الأمر على خلاف ذلك في القانون الأخلاقي؟ سوف تقول لي: إنه يُحرِّم عليك أن توجه نظرك إلى شيء آخر غير أمره المهيب -ليكن!! ولكن ذلك لا يمنع أنه يستطيع، بل ويجب، أن يحفظني من النتائج المختلفة، المنوعة التطبيق, حسب ما إذا كنت ألتزمه على تقوى، أو أرفض الخضوع له في نزق وطيش.

نعم، إن جزاء ضروريًّا، ومحددًا ينبغي أن يطبق في فكرة القانون ذاتها، وإذا كان القانون الأخلاقي لا يتضمن تنفيذه أو انتهاكه أية نتيجة لصالح الفرد الذي يفرض عليه أو ضده، فإن هذا القانون لا يكون باطل الأثر فحسب، بل متعسفًا وغير معقول؛ بل إنه لن يكون ملزمًا، أي: لن يكون هو ذاته.

فكل ما في الأمر هو أن نعرف فِيمَ يتمثل هذا الجزاء، الذي نصفه بأنه أخلاقي؟ ويجب بداهة أن نستبعد كل فكرة للثواب أو العقاب تؤثر في حواسنا الخارجية، إذ إن مثل هذه الجزاءات، فضلًا عن أنها لا يمكن أن

<<  <   >  >>