للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقبل أن نترك مفهوم التوبة يبقى علينا أن نضيف ملاحظتين نجدهما في القرآن، أولاهما، أن الكفار الذين يدخلون في الدين الحق معفون من كل إجراء إصلاحي للماضي، كأنما كان لهذا التحول إلى الإيمان فضل تطهيرهم من جميع الذنوب التي سلفت، قال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} ١.

وثانيتهما: أن تأثير التوبة النصوح، التي تحدث بشروطها المطلوبة، ما كان لينهار بسبب العودة المحتملة إلى الذنب، "وهو أمر ممكن، حتى مع العزم الشديد الآن"، فهي حالة عارضة، وعلينا أن نكرر جهودنا للإصلاح، دون أن نيأس أبدًا، والله سبحانه يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} ٢، ويقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} ٣، ويقول: {وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} ٤. والأحاديث أكثر صراحة في هذا الباب. ولنقرأ هذا الحوار الذي ورد به الحديث القدسي: "قال الشيطان: وعزتك يا رب، لا أزال أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، قال الله: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني" ٥.

ولكن، في أي صورة ما تمثلت التوبة، بالمعنى المركب الذي صورناها به، فإنها لا تنشئ سوى جزاء إصلاحي، يتطلبه منا الشرع، أفلا يوجد


١ الأنفال: ٣٨.
٢ الأنفال: ٣٣.
٣ الزمر: ٥٣-٥٤.
٤ الشورى: ٢٥.
٥ مسند أحمد من طريق أبي سعيد الخدري، ونصه: قال النبي, صلى الله عليه وسلم: "قال إبليس: أي رب، لا أزال أغوي بني آدم ما دامت أرواحهم في أجسادهم. قال: فقال الرب عز وجل: لا أزال أغفر لهم ما استغفروني". "المعرب".

<<  <   >  >>