للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} ١, {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} ٢, {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} ٣, {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} ٤.

فلنقرب ما بين هذين القولين، بحقيقتهما النسبية، ولسوف نحصل على الحقيقة المطلقة، فالإنسان وجد من أجل تنفيذ الشرع "الذي هو عبادة الله" ولما كان الشرع قد وجد من أجل الإنسان، إذن فالإنسان قد وجد من أجل نفسه، والشرع غاية، ولكنه ليس الغاية الأخيرة، إنه ليس سوى حد وسط بين الإنسان، كما هو، ناشئًا يتطلع إلى الحياة الأخلاقية، ومصارعًا من أجل كماله، وبين الإنسان كما ينبغي أن يكون، في قبضة الفضيلة الكاملة. أي: إنه حد وسط بين الإنسان العادي والقديس، بين الجندي والبطل.

والشرع أشبه بقنطرة بين شاطئين، نحن نقطة بدايته، ونقطة نهايته، أو هو أشبه بسلم درجاته مستقرة على الأرض، ولكن يعد من يريدون تسلقه أن يرفعهم إلى السماء. ولنقتبس من القرآن صورته الديناميكية، فهذا أفضل من تلك الصور الساكنة والميكانيكية، فالقرآن في رمزين مشهورين يشبه الحق والباطل بشجرتين، فيقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} ٥ -هذا التشبيه ينطبق على الصدق والكذب العمليين، كما ينطبق عليهما نظريين،


١ المائدة: ٦.
٢ الإسراء: ١٥.
٣ العنكبوت: ٦.
٤ فاطر: ١٨.
٥ الرعد: ٢٩-٣١.

<<  <   >  >>