للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"أو مبدأ" إله حكيم، عدل؛ يقول القرآن: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} ١، {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} ٢, {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون} ٣.

ومن الطبيعي أن هذا الاستنباط، لكي يكون ضروريًّا، يجب أن يقتصر على الفكرة العامة للمجازاة، وألا يزعم أنه يحدد أشكالها. أمن الممكن -مثلًا- وضع علاقة عقلية بين العمل الوقتي للإرادة الإنسانية، أو حتى الجهد الدائم في هذه الحياة الفانية، وبين مكافأة باقية في حياة خالدة؟ ٤.

ولكن، إذا كانت مكافأة كهذه ليست، ولا يمكن أن تكون نظيرًا لأعمالنا -إذا نظرنا إليها في ذاتها- فإنها منذئذ تصبح موضوعًا لوعد، أو التزام. هي العوض في عقد مبرم بين الله والإنسان: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّة} ٥، بشرط أن تبلغ أعمالنا -على الأقل- قدر الأعمال العظيمة، وأن تكون طاهرة، غير


١ الجاثية: ٢١.
٢ ص: ٢٨.
٣ ن: ٣٥-٣٦.
٤ على أكثر تقدير نستطيع أن نتصور هذا التعادل حين نأخذ معيارًا للمقارنة، ليس العمل الخاص، المؤرخ والمحدد، بل العمل الكلي الذي تتخذه الإرادة -في ذاتها- قاعدة للسلوك، موافقة أو مخالفة للقاعدة الأخلاقية, فالواقع أن الضمير -على هذا المستوى- ينشد المطلق ويستهدفه، ويود أن يتمسك بموقفه إلى الأبد، لو أُوتيَ الإنسان الخلود في هذه الحياة.
٥ التوبة: ١١١.

<<  <   >  >>