للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن أفظع طريقة لتخريب أية شريعة لا تتمثل في أن تواجهها مقاومة شرسة، أو أن يغفل العمل بها: فلقد يكون هذا طريقة أخرى لاحترام قداستها، بألا تدنس طهارتها النظرية، وبحصر العمل بها في أكثر الأيدي نزاهة، وهو فضلًا عن ذلك يتركها للزمن، ليبرهن على إحكامها، عندما يسمح بتطبيقها.

ولكن أسوأ المواقف وأضرها بشريعة ما -هو أن نتظاهر في مواجهتها بمظهر الورع، محترمين حروفها بكل عناية، وإن كنا نتفق على تغيير هدفها فنجعلها ظالمة مقيتة، بعد أن كانت محسنة ذات فضل على الناس. فذلك هو ما أطلق عليه القرآن، بمناسبة بعض المصالحات الزوجية التي يلفها سوء النية -أنه: "اتخاذ آيات الله هزوًا"١.

وإليك الحالة: فنحن نعلم كم يحاول القرآن بكل الوسائل المعقولة أن يبقي على هذا الرباط المقدس بين الزوجين، وأن يوثقه. فهو أولًا يوصي الرجال بأن يعاملوا النساء معاملة إنسانية متى شعروا نحوهن بالنفرة: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} ٢.

ثم هو ينصح الزوجات بأن يطعن أزواجهن، حتى لو اقتضى ذلك بعض التنازلات: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} ٣. ثم هو أخيرًا يدعو الطرفين


١ من قوله تعالى في [البقرة: ٢٣١] {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} ، وقد نزلت الآية بسبب مضارة الزوجات بالارتجاع ألا ترى بعده زوجًا آخر. "المعرب".
٢ النساء: ١٩.
٣ النساء: ١٢٨.

<<  <   >  >>