للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النفس، والغايات العظيمة في هذه الدنيا، وفي الأخرى ... كل ذلك يسهم في دعم سلطان الواجب القرآني"١.

هذه الطريقة في تصوير الشرع لا تحسم مسألة معرفة ما إذا كانت البواعث التي استخدمها الشارع لتسويغ أوامره يمكن بطريقة صحيحة أن تكون للإنسان بمثابة مبدأ يحكم إرادته للطاعة. فهل من حقه عندما يواجه حالة اتخاذ قرار أخلاقي أن يستقي دوافعه من أي مصدر من هذه المصادر بلا تمييز، إن لم يكن من غيرها أيضًا؟ ذلكم هو السؤال الذي طرحناه من قبل، والذي خصصنا لحله هذا الفصل.

وبوسعنا الآن أن نقول، والنصوص في يدنا: ماذا يكون الحل؟ فإن القرآن لم يبق من كل البينات المطروحة أمام العقل إلا على نقطة واحدة، يفرضها على الإرادة الطائعة، باعتبارها الهدف المفرد الصحيح، والمبدأ الوحيد الذي يجب أن تستلهمه في العمل: "اعمل وغايتك الله وحده"، وتلكم هي القضية التي لا يفتأ القرآن يرددها في مواضع مختلفة، وبنفس الألفاظ تقريبًا. فلم يرد في القرآن مطلقًا هذا التعبير الغائي: "افعل هذا من أجل ذاك"، مما موضوعه المباشر منفعة شخصية أو عامة، حسية أو معنوية.

أما الخير المحسوس فليس هناك نص يقترحه، لا هدفًا مبدئيًّا، ولا تكميليًّا. بل إن مما يزيدنا إعجابًا أن الخير الأخلاقي، الذي ينشده الحكماء بوصفه أعلى الدرجات، وذلك مثل الكمال الذاتي، والتضحية من أجل الآخرين، هذا الخير الأخلاقي لا يبرز في القرآن على مستوى النية إلا كقيمة من الدرجة


١ سبق هذا القول في ص٣٢٣ من الأصل مع اختلافات يسيرة، راعيناها التزامًا بطريقة تعبير المؤلف. "المعرب".

<<  <   >  >>