للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبدئي ليست: "كف نفسك عن الشر" بل هي: "افعل الخير". وكل ما في الأمر أننا نجد أنفسنا أحيانًا، وبشكل ضمني، مضطرين إلى أن نوجه هجومنا ضد العدو، الذي يروم تحويل أنظارنا عن هدفنا الأساسي.

وحسبنا لكي نقتنع بهذا أن نقرأ هذا التدرج في الوصايا الإسلامية:

فعن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي, صلى الله عليه وسلم: "على كل مسلم صدقة" , قالوا: فإن لم يجد؟ قال: "فيعمل بيديه، فينفع نفسه ويتصدق". قالوا: فإن لم يستطع، "أو لم يفعل"؟ قال: "فيعين ذا الحاجة الملهوف". قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: "فيأمر بالخير" أو قال: "بالمعروف". قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: "فيمسك عن الشر، فإنه له صدقة" ١.

هذا ومن الأمور الشائعة تشبيه الأخلاق بالطب، فأحدهما للنفس من حيث كان الآخر للبدن.

وإذا كان فن الطب لا يكتفي بأن يكون موضوعه أن يعالج الحالة المرضية للجسم، كيما يوفر لها الصحة، بل يهتم أيضًا، وبأوفى قدر، بالحالة العادية، من أجل صونها، وتحسينها، فإن مهمة مماثلة ينبغي أن تناط بطب النفوس: فمن واجبه أن يصف لكياننا الجواني نظام التغذية، وطريقة اتباعه لتحقيق أنسب الظروف لتنمية هذا الكيان.

وهكذا يأتي "الجهد المبدع" فوق "جهد المدافعة"، وبعد أن حددنا موقف القرآن حيال جهد المدافعة، يجب أن نرى الآن موقفه من جهد الإبداع.


١ هكذا الحديث كما جاء في البخاري, كتاب الأدب, باب ٣٣. وفيما ذكره المؤلف في الهامش بعض اختلافات. "المعرب".

<<  <   >  >>