للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينبغي أن نكل أمر تحديد موضوع إرادتنا إلى تصاريف الطبيعة الخارجية، ولا إلى حركات فطرتنا الداخلية. وليس دورنا الأخلاقي أن نقف متفرجين على ما يحدث أمامنا، أو في داخلنا، ولا أن ننقاد انقيادًا آليًّا للحواس، أو العواطف الجامحة. بل ينبغي على العكس أن نسمو فوق جميع الاعتبارات الباطنة والظاهرة، وأن ننظر من عل إلى كل الحلول الممكنة، لنجري اختيارنا واضحًا جليًّا، وذلك في الواقع هو الجانب الذي يختص بشخص الإنسان، كعامل حر، ومستقل، نسبيًّا.

وحتى لو أننا اخترنا هذا الحل أو ذاك من الحلول المقترحة دون أن نضيف إليه أي تعديل، فإننا حين نوافق عليه وندمغه بطابع شخصيتنا، أو -في كلمة واحدة- حين نتبناه، حينئذ فقط نستحق أن نعتبر أخلاقيًّا صانعي أعمالنا.

والقرآن الكريم، فيما خلا النصوص التي تذكرنا بواجباتنا الخاصة، ما زال يؤكد أهمية هذا الواجب العام الذي يضم كل الواجبات الأخرى، فهو يستثير همتنا دون تحديد، مستعملًا الفعل "عمل" في حالة اللزوم، ويصوغ لذلك أوامر وعظات يكررها، فيقول: {اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} ١, {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين} ٢.

إن القدرية الاتكالية هي العدو الأول للأخلاق الإسلامية، ونحن ندعم رأينا في هذا الموضوع، بالواقعة التالية التي رواها أكبر اثنين من المحدثين "هما البخاري ومسلم". فقد روى البخاري عن محمد بن بشار، قال: حدثنا غُنْدر، حدثنا شعبة عن منصور والأعمش سمعا سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي -رضي الله عنه- عن النبي, صلى الله عليه وسلم: أنه كان في جنازة، فأخذ عودًا، فجعل ينكُت في الأرض، فقال: "ما منكم من أحد إلا كُتِبَ


١ التوبة: ١٠٥.
٢ آل عمران: ١٣٦.

<<  <   >  >>