للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن آيات أخرى كثيرة في القرآن، وأحاديث كثيرة في السنة، تحتفل فيما يبدو بإمكاناتنا الإنسانية، وقد خطا القرآن الكريم الخطوة الأولى، في هذا السبيل، بالآية الكريمة: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ١، وهي التي نزلت على ما أخبرتنا السنة؛ لتلطيف الحدة الظاهرة في آية آل عمران: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} .

والواقع أن قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} يضع حدًّا للعمل، لا بالنسبة إلى ما الله حقيق به، بمقتضى صفاته، بل بالنسبة إلى ما يمكن أن يبلغه الناس، فهو يعفيهم إذن من كل ما يتجاوز مقدرتهم، ولكنه يبدو في الوقت نفسه وهو يلزمهم بأن يسخروا كل قواهم في سبيل هذا المثل الأعلى.

فهل تأمر الأخلاق القرآنية إذن بأن نستهلك حياتنا، وأن نضحي بها عن طريق الإرهاق؟

إن هنالك أمرين آخرين يجلوان هذا الغموض، واقرأ في ذلك قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} ٢، وقوله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} ٣, "حقيقة ومجازًا".

ولو أننا نزلنا إلى بعض الأحكام الخاصة فسنرى اهتمامًا واضحًا بأن يكون تطبيقها أكثر اتفاقًا مع الإنسانية والعقل. فليس توقع الموت ضنكًا، أو


١ التغابن: ١٦.
٢ النساء: ٢٩.
٣ البقرة: ١٩٥.

<<  <   >  >>