للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن أخطر المشقات لا تعفي المؤمنين من أداء صلاتهم، ولا تسمح بأي نسيء لتاريخ الحج، فالتعديل حتى في هذا النطاق، ليس إبطالًا ولا إسقاطًا.

وليس يغض من صدق هذا القول أن القرآن والسنة فيما خلا هذه التعديلات المحددة التي أقرتها النصوص والتي لا يحق لنا تعميمها -قد أقرا منهجًا عامًّا هو أن "الضرورة قانون" في قوله تعالى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} ١، وهما يتصوران هذه الضرورة في جانبها الرحب، والإنساني، كيما نوفر جهدًا قاسيًا وضارًّا، في حياتنا العادية، ولا سيما الدينية.

وهنالك نصوص كثيرة تلح على هذا الطابع الرحيم في الشرع القرآني.

أيجب أن نرى في ذلك تشجيعًا ما على الاعتدال في الجهد؟

إن من المفيد جدًّا أن نتأمل النغمة التي يعبر بها القرآن عن موضوع الرخص، فلقد عالجها بأقصى درجات الحذر والمخافتة، حتى لا نكاد نسمعها.

والواقع أنه لا يذهب إلى حد أن يقول: "اعملوا تبعًا لما يقتضيه الموقف"، ولا يقول أيضًا: "يجوز لكم أو يباح أن تعملوا هكذا". بل إننا لو تأملناه من قريب لرأينا أن الضرورة لم تلغ التكليف، وإنما هي ترفع أثر المخالفة فحسب، فمتى وقعت هذه المخالفة عفا الله عنها: {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ٢، {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ٣.


١ الأنعام: ١١٩.
٢ النور: ٣٣.
٣ المائدة: ٣.

<<  <   >  >>