للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكتفي فيلسوفنا ببعض العموميات المجردة على هذا النحو، والتي يدع لكل منها في النهاية مطلق الاهتمام بتحديد المراد من هذا "الوسط الممتاز".

إنه يدلنا فقط على وسائل التحديد، فيقول: "يجب أن نظهر أعمالنا ومشاعرنا في اللحظة المناسبة، بناء على أسباب مقنعة، وحيث يوجد من يستحقها، ولغايات لائقة، وفي ظروف موافقة"١.

عظيم جدًّا، ولكن ما هذا "المناسب، المقنع، اللائق"؟ إن الذي يدل عليه بكل تأكيد هو "العقل السليم". وهكذا يبقى معيار الفضيلة عصيًّا على إدراك جمهور الناس، فهو يكمن تمامًا في ذهن الحكيم.

ولنأخذ مثال الكرم، حيث يقول أرسطو: "إن الشاق في الأمر هو أن أعرف: لمن يجب أن أعطي؟ وكم؟ ومتى؟ ولماذا؟ وبأية طريقة؟ ولذلك فإن الاستعمال الطيب للمال نادر. ويجب على من يهدف إلى الاعتدال أن يبدأ بالابتعاد عما يبعده عنه, وأن يكتفي بأقل قدر من الشرور"٢.. وهذه هي غاية التحديد.

أما القرآن، الذي تكمله تعاليم الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنه يقدم على عكس ذلك لكل فضيلة مقياسًا حسيًّا، تسهل معرفته بدرجة كافية، وتنعدم بفضله تقريبًا فرص الخطأ، والالتباس.

وحسبنا لكي نقتنع بذلك أن نأخذ مجموعة الأسئلة الأرسطية التي سبق أن ذكرناها، فنطرحها على الشريعة القرآنية، ولسوف نجد فيها إجابة محددة عن كل نقطة استفهام.


١ المرجع السابق, الفصل السادس.
٢ المرجع السابق, الفصل التاسع.

<<  <   >  >>