ثانياً: إنَّ معنى هذه الكلمة مشهور، ولهذا لما سُئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن ومالك بن أنس عن قوله:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ؟ قالا: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
ثالثاً: إنَّه إذا كان معلوماً في اللغة التي نزل بها القرآن كان معلوماً في القرآن.
رابعاً: إنَّه لو لم يكن معنى الاستواء في الآية معلوماً لم يحتج أن يقول: الكيف مجهول، لأنَّ نفيَ العلم بالكيف لا ينفي إلاَّ ما قد عُلم أصله، كما نقول: إنَّا نقرُّ بالله ونؤمن به، ولا نعلم كيف هو.
خامساً: الاستيلاء سواء كان بمعنى القدرة أو القهر أو نحو ذلك هو عام في المخلوقات كالربوبية، فلو كان استوى بمعنى استولى، كما هو عام في الموجودات كلّها لجاز مع إضافته إلى العرش أن يُقال: استوى على السماء، وعلى الهوى، والبحار والأرض، وعليها ودونها ونحوها، إذ هو مستوٍ على العرش، فقد اتفق المسلمون على أنَّه يُقال: استوى على العرش، ولا يُقال استوى على هذه الأشياء، مع أنَّه يُقال استولى على العرش والأشياء، علم أنَّ معنى استوى خاص بالعرش ليس عاماً كعموم الأشياء.
سادساً: أنّه أخبر بخلق السموات والأرض في ستة أيّام ثم استوى على العرش، وأخبر أنَّ عرشَه كان على الماء قبل خلقها، وثبت ذلك في صحيح البخاري عن عمران بن حُصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كان الله ولا شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذِّكر كلَّ شيء ثم خلق السموات والأرض" ١، مع أنَّ العرش كان مخلوقاً قبل ذلك، فمعلوم أنَّه ما زال مستولياً