للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

اللغة العربية التي نزل بها القرآن، وقد لجأ المستشرقون إلى هذه الوسيلة بعد عجزهم عن النيل من القرآن الكريم؛ فأخذوا يروّجون بين المثقفين من المسلمين من تلاميذهم أن اللغة العربية في حاجة إلى تطوّر وتجديد، وهم يهدفون من وراء دعوتهم هذه إلى إضعاف اللغة العربية؛ لينصرف المسلمون عنها؛ فتنقطع الصلة بينهم وبين كتاب الله وسنة خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام.

إن المستشرقين يتهمون اللغة العربية بالعجز عن مسايرة ركب الحضارة الحديثة، ويزعمون أن اللغة العربية تعجز بقاموسها اللغوي عن حمل العلوم والفنون التي جاء بها العصر الحديث، وأن التخلّف الذي أصاب المجتمع الإسلامي سببه قصور اللغة العربية وعجزها عن نقل ما جاءت به العقول والقرائح عند الأمم الغربية، ولهذا يجب على أهل العربية - في زعمهم - أن يتركوا هذه اللغة ويبحثوا عن لغة أخرى حتى يلحقوا بركب الحضارة، ويعيشوا مع أهل العصر.

وهذه دعوى باطلة من أساسها؛ فاللغة العربية أوسع اللغات وأقدرها على توليد الألفاظ الجديدة، والدليل على هذا أنها حين خرجت إلى ما وراء موطنها العربي إلى دولتي الفرس والروم استوعبت بألفاظها - من مفردات وتراكيب - كل ما وجدته من حضارات، ثم إنها مدّت ذراعها إلى حضارتي اليونان والرومان القديمتين، فترجمت كل ما أنتجته عقول حكمائها وعلمائها، وكان للتراث العلمي المشرق الذي أنتجته العربية أثره البعيد في تنوير أوربا، وإخراجها من ظلام القرون الوسطى وإدخالها إلى هذا العصر الحديث الذي تفخر به؛ فلا يعقل - بعد هذا - أن تعجز اللغة العربية عن نقل العلوم والفنون التي جاء بها العصر.

وقد لقّن المستشرقون بعض تلاميذهم من المسلمين الدعوة إلى العدول عن الكتابة بالحروف العربية إلى الحروف اللاتينية؛ بحجة أن عملية الطباعة بالحروف العربية شاقة بطيئة؛ لأن لكل حرف صورا عديدة بحسب موقع الحرف في الكلمة، أما كتابة الكلمات العربية بالحروف اللاتينية فإنها لا تحتاج إلى جهد ووقت؛ لأن الحروف تكتب متفرقة على صورة واحدة مهما اختلف موقع الحرف في الكلمة.

وهذه دعوة خبيثة تهدف إلى قطع الصلة بيننا وبين تراثنا القديم إذا طال الزمن وأصبحت الكتابة الإفرنجية هي التي تعلمتها الأجيال المتعاقبة، وصارت هي طريقها إلى القراءة والكتابة؛ فإذا رجع واحد من أبنائنا إلى كتاب مكتوب بالحروف العربية

<<  <   >  >>