للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وحوش ضارية تعيش في أرض قفر ومكان جديب، فكانت قلوبهم أقفر من أرضهم، ومشاعرهم أكثر جدبا منها.. هكذا يتحدث المستشرقون عن الأمة العربية في جاهليتها؛ ليخلصوا إلى القول بأن الإسلام دين بداوة لا يصلح في أحكامه وتشريعاته إلا في تلك المناطق المتبدية المتوحشة المقفرة، فهو - كما يزعمون - ليس الدين العالمي الذي يصلح عليه أمر الناس في البدو والحضر، وفي الحاضر والمستقبل.

وقد خدع بهذا القول كثير من المسلمين الذين تصدَّوا للرد على هؤلاء المستشرقين؛ فسلّموا لهم بما قالوه في العرب الجاهليين، وفي أن الأمة العربية لم تكن شيئا قبل الإسلام، وهذا القول فيه حق، ولكن فيه باطل أيضا؛ أما الحق فيه فهو أن الإسلام قد ارتقى بالعرب إلى درجات عالية في عالم الفضائل والكمالات، وجعلهم في سنوات قليلة قادة الأمم وأساتذة الشعوب، وبناة الحضارة في كل موقع نزلوا فيه.

وأما الباطل في ذلك القول فهو أن الأمة العربية لم تكن خلوا من الفضائل؛ فقد كانت تحمل في كيانها أسلم القلوب، ويكفيها فخرا أن الله تخيرها كما تخير موطنها، وكما تخير بنيها لتكون هذه الأمة مطلع شمس دين الإسلام، وأفُقَه الذي يشعّ منه نوره على هذا العالم.

وقد وجد الإسلام في الأمة العربية كثيرا من الفضائل التي زكاها، وأبقى عليها مثل حماية الجار وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم، وإكرام الضيف والغيرة على الحرمات من أموال وديار وأعراض؛ فكان ذلك ركيزة للأخلاق الفاضلة التي بنى الإسلام عليها دولته.

فوصْف الأمة العربية بالسوء، وتجريدها من كل فضيلة لا يتّفق مع الحق، وهو تقليد لما يقوله المستشرقون ليتخذوا منه سلاحا يحاربون به الإسلام، ويشوشون به على دعوته، وينبغي أن ينتبه المسلمون إلى هذا جيدا، وأن يحذروا التقليد والانخداع بأقوال المستشرقين أعداء الإسلام.

ومن الحق أن نقرّر هنا أن الثقافة الإسلامية هي في صميمها ثقافة عربية برسولها العربي، وعربية بلسانها الذي نزل به القرآن دستور شريعتها، وعربية

<<  <   >  >>