للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

نشطت حركة الاستشراق وبلغت أشدها منذ قرنين من الزمان في صورة حركة تابعة لحركة الاستعمار.

والاستشراق مصدر الفعل (استشرق) أي: اتجه إلى الشرق ولبس زى أهله، وقد اتخذ المستشرقون من دراسة لغات الشرق وسيلة للاتجاه إليه، فدرس كل منهم لغة أو أكثر من لغات الشرق كالعربية والفارسية والعبرية والسريانية وغيرها، ثم درس بهذه اللغة علوم تلك اللغة وفنونها وآدابها ومعتقدات أهلها، وكانت اللغة العربية المطلب المقصود عند الكثير من المستشرقين.

قد أقبل المستشرقون على دراسة اللغة العربية والتخصص في علومها من نحو وصرف وأدب وبلاغة؛ ليتمكنوا من اللغة، ثم نظروا بعد ذلك في علوم الدين الإسلامي من عقيدة وشريعة؛ لاتخاذ هذه الدراسة وسيلة لتلفيق الأباطيل للتشكيك في حقائق الإسلام، وصرْف المسلمين عن دينهم الذي يهديهم إلى طريق التقدم والعزة؛ فتتحقق بذلك أهداف الاستعمار في مواصلة احتلال بلاد المسلمين.

وأوضح دليل على صلة الاستشراق بالاستعمار أن سوق الاستشراق رائجة في أوربا وأمريكا في الدول التي لها مصالح في الدول الشرقية بعامة وفي الدول الإسلامية بخاصة، وأن هذه السوق أكثر رواجا في الدول الاستعمارية التي تحاول غزو الدول الشرقية بأية صورة من صور الغزو والمعروفة في العصر الحديث؛ سواء أكان الغزو عسكريا أم اقتصاديا أم سياسيا أم ثقافيا، بل لا تكاد توجد سفارة من سفارات هذه الدول الاستعمارية في دولة من دول الشرق الإسلامية لا يوجد فيها مستشرق أيّا كانت رتبته بين رجال السفارة والعاملين بها.

إن ارتباط الاستشراق بالاستعمار وتبعته له جعلت الاستشراق يواصل جهوده في محاربة الإسلام والتشويش على دعوته، ويستعمل كل الأسلحة في حربه؛ لأن هذا الدين الحنيف هو السدّ المنيع الذي يقف في وجه الاستعمار والعبودية لغير الله.

إن المستشرقين يعلمون من دراستهم للإسلام أن العقيدة التي جاء بها ترتكز على أسس ثابتة من الفطرة الإنسانية العامة والمنطق العقلي المستقيم، والنصوص الدينية الصريحة، بحيث لا يمكن لعقول المفكرين والفلاسفة أن ينقضوا أصلا واحدا من أصولها إذا التزموا منهج العلم الصحيح، ولذلك يحاول الاستشراق منذ نشأته

<<  <   >  >>