للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أهله الذين كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم حينذاك، معللين ذلك بخوفهم من جيرانهم اليهود والنصارى أن يتخطفوهم إذا آمنوا، واتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم، ويمنعوا عنهم تجارتهم. وهي حجة واهية فالأمن لجيران المسجد الحرام أمر واقع، وملموس منذ عهد إبراهيم عليه السلام، وكان محفوظاً بحفظ الله له رغم ما أدخله بعض العرب فيه من عبادة الأوثان، فهل يأمنون وهم مشركون، ويخافون إذا هم آمنوا؟!

إنها دعوى باطلة، قال تعالى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص/٥٧] .

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت/٦٧] .

وقال تعالى: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش/١-٤] .

وإذا أسقطنا الأفعال المشينة التي خالف فيها مجتمع مكة القديم، أوامر الله بطاعته، وتوحيده، واجتناب نواهيه، وسببه ما طرأ على أهلها من شرك، ووثنية، فإنا نجده مجتمعاً يجنح أهله ويحرصون على فعل الخير، وإشاعته حفاظاً على مصالحهم، ومكانتهم المقدسة عند جيرانهم لكونهم جيران بيت الله الحرام.

فقد تحالف أهله في وقت من الأوقات على نصرة المظلوم، وكفّ يد الظالم، على شكل معاهدة ومُعاقدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، مثل: حلف المُطيِّبين، وحلف الفضول، وأنشأوا دار الندوة.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "شهدت حلف المُطَّيَّبين مع عمومتي، وأنا غلام، فما أُحب أن لي حٌمر النَّعم وأني أنكثه" ١، وكان بنو هاشم، وبنو زهرة، وتيمٌ قد


١ أخرجه الحاكم في المستدرك (٢/٢٢) وقال: هذا الحديث صحيح الإسناد، = ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وانظر مسند الإمام أحمد (١/١٩.،١٩٣) ، كلاهما من طريق إسماعيل بن أمية، عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن محمد بن جبير عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف، وانظر الكامل لابن عدي (٤/١٦١) وأبو نُعيم في معرفة الصحابة (ص٤٩٥) .

<<  <   >  >>