المبحث الثَّاني ما ورد في القرآن الكريم عن المداراة ومدلولاتها
القرآن الكريم كتاب هداية {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[المائدة / ١٦] .
وهو كلام الله ووحيه إلى نبيّه المصطفى - محمَّد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم، الَّذي ختم به النبوة، وقفّى به الرسل {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى / ٥٢] .
وجاء القرآن الكريم في مضمونه شاملاً لما أراد الله بيانه لخلقه من أوامر ونواهٍ، وواجبات وحقوق {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام / ٣٨] .
فهاتان الصفتان العظيمتان: الشمول، والتفصيل أكْسَبَتا معجزة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الخالدة قوّة الحجّة، وسلامة المنطق، ورسوخ القاعدة، وإيجابية المفهوم، واستمرارية التطبيق، وصلاح النظام، وعدم الخشية من التبديل أو التحريف {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر / ٩] .
فلا يجد العاقل السوي عند سماعه أو تلاوته إلاّ أن يُذعن ويستجيب.
ومن أعرض، وناوأ، فلمرض في قلبه، أو لجهله فحوى الخطاب، أو فيه شيء من المكابرة قد تَسَوَّرَ بصره فأعمى بصيرته.
وقصّ فيه من القَصص أحسنه عن الأمم السابقة في العصور الغابرة، ليتفكّر، ويتذكّر، ويعتبر إنسان العصر بمن مضى، وباد، وانقرض، من