فأقيمت في البلاد، قبل إعلان تحريم الخمر، دعاية واسعة النطاق ضد الخمر وبقيت الرابطة المحاربة لوجود حانات بيع الخمر تسعى وتجتهد في ترغيب الأمريكيين عن الخمر وتثبيت مضارها في أذهانهم، بإلقاء الخطب وتأليف الرسائل والكتب وعرض المسرحيات وأفلام السينما.
وأفنت في سبيل هذا التبليغ عشرات وبذلت الأموال الطائلة، حتى قدر أن النشرات المطبوعة والمسموعة بلغت تكاليفها مبلغ خمسة وستين مليون دولار، وأنه بلغ عدد الصفحات التي سود بياضها لبيان مساوئ الخمر والزجر عنها تسعة آلاف مليون صفحة.
ذلك قبل بدء التجربة. وأما ما تحملته الأمة الأمريكية في الأربعة عشر عاماً من ١٩٢٠م إلى ١٩٣٣م، عام إلغاء قانون التحريم، من النفقات الباهظة لأجل تنفيذ قانون التحريم فقدر مجموعها بأربعة ملايين ونصف مليون جنيه.
وتدل الإحصاءات التي أذاعها ديوان القضاء الأمريكي لهذه الفترة، أنه قتل في سبيل تنفيذ هذا القانون مائتا نسمة وسجن نصف مليون وغرم الجناة ما يربو على مليون ونصف مليون جنيه، وصودر من الأملاك ما يساوي أربعمائة مليون جنيه.
كل هذا النقص الهائل في الأنفس والأموال كابدته أمريكا لغرض واحد، هو تلقين الأمة الأمريكية " المتحضرة " مفاسد الخمر الجمة وتنبيهها إلى مضارها الروحية والصحية والأخلاقية والاقتصادية ولكن عاد القوم من هذا الجهاد الإصلاحي العظيم بصفقة خاسرة.
فلم تكد تغلق الحانات القانونية العلنية في البلاد بجانب حتى انفتحت فيها بجانب آخر آلاف مؤلفة من الحانات السرية، ثم كثر تردد الصغار من أبناء الأمة وبناتها إلى هذه الحانات وغلت أثمان الخمر غلاء فاحشا _ والذي قدر على أقل التقدير أنه بلغ عدد شاربي الخمر بعد التحريم عشرة أضعاف ما بلغه قبله _ وصارت الخمر المستعملة سراً في كيفيتها أردأ نوعاً وأشد فتكاً بالصحة مما جعل الأطباء يقولون فيها:" إن هذا المشروب أحرى بأن يدعى السم من أن يسمى خمرا " من أمثلة ذلك ما تدل عليه الإحصاءات لمدينة نيويورك من أنه كان عدد المرضى فيها من استعمال الكحول في سنة ١٩١٨ قبل التحريم: ٣٧٤١ وعدد الهالكين من استعماله: ٢٥٢ نفساً _ ثم بلغ عدد المرضى فيها لسنة ١٩٢٧ بعد التحريم أحد عشر ألفا وعدد الهالكين سبعة آلاف ونصف الألف.