وحاصل القول أن النتائج التي ظهرت في أمريكا عقب تحريم الخمر تتلخص في أنه:
_ زالت عن القلوب حرمة القانون ونشأت نزعة للبغي والتمرد عليه في كل طبقه من طبقات المجتمع.
_ لم تتحقق الغاية المقصودة من تحريم الخمر، بل زاد استعمالها بعد التحريم على ما كان عليه قبله.
_ تجشمت الحكومة خسائر لا تحصى في تنفيذ قانون التحريم، ومثلها أيضا أصاب الشعب الأمريكي لشرائه الخمر خفية، فتأثرت بذلك اقتصاديات البلاد.
_ كثرت الأمراض واختلت الصحة وازدادت نسبة الوفيات، وفسدت الأخلاق وشاعت الرذائل وتفشت الجرائم في جميع طبقات المجتمع وعلى الأخص في الجيل الناشئ.
وكانت هذه كلها من ثمرات هذا القانون في ناحية التمدن والأخلاق إلى أن ألغي قانون تحريم الخمر في عام ١٩٣٣م.
ظهرت هذه النتائج كلها في دولة تعد من أرقى دول الأرض حضارة. إن أبناءها أوفر حظاً من التهذب والحضارة، فهم أحرى أن يعرفوا ما يضرهم وما ينفعهم.
والآن هيا بنا نرسل الطرف في قطر كان يعد أجهل أقطار الأرض في أظلم عصور التاريخ قبل أربعة عشرة قرناً، أهاليه أميون، والعلم والحكمة فيه شيء معدوم، والتمدن والحضارة أمر لا يعرفه أحد، وعدد المتعلمين فيه ربما لا يزيد على واحد في عشرة آلاف. وأما أهاليه فعشاق للخمر متهالكون عليها متفانون فيها، في لغتهم نحو مائتين ونصف مائة علم (اسم) لهذا الشراب وحده مما لا نظير له في أية لغة أخرى. يبدو كأنهم رضعوها مع لبان أمهاتهم وكانوا يعتبرونها لازمة لزوم الماء لحياتهم.
فإذا كانت الحالة السائدة في شبه الجزيرة العربية قبيل ظهور الإسلام. وما إن يبزغ نور الرسالة حتى تبدأ الشريعة الإسلامية بتحريم الخمر تدريجيا. حتى حرمت الخمر البتة في مدة قليلة فقال الصحابة " انتهينا يا رب! " وقال أنس رضي الله عنه: حرمت، ولم يكن للعرب يومئذ عيش أعجب منها، وما حرم عليهم شيء أشد من الخمر.