للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وزاد من اقتناعهم بهذا الرأي، خوفهم من خطر الناصر يوسف الأيوبي صاحب حلب١، الذي استغل هذا الموضوع لصالحه ورأى فيه فرصة سانحة للاستيلاء على مصر، فقام بالاستيلاء على دمشق وبعض نواحي الشام، مما أخاف المماليك٢ فسارعوا إلى تزويجها من الأتابك عز الدين أيبك التركماني أتابك العسكر، وتنازلت له شجر الدر عن السلطة بعد ثمانين يوما من حكمها. فأصبح معز الدين أيبك سلطانا٣- ولو بالاسم- حيث إن شجر الدر "كانت هي المسئولة عنه في كل أحواله ليس له معها كلام٤.

وقد سبق أن ذكرت أن اختيار المماليك له لهذا المنصب كان لاعتقادهم بضعفه مقارنة بأقطاي وبيرس، وأنه سيكون من السهل عليهم عزله متى شاءوا٥.

وقد خاب ظنهم فيه، حيث أثبت أيبك أنه ليس بالحاكم الألعوبة، فمنذ بداية عهده بادر إلى اغتيال أكبر منافسيه وهو خوشداشة أقطايى الجمدار عام ٦٥٢ هـ (١٢٥٤م) وساعده في ذلك كل من قطز وبهادر وسنجر وعدد من المماليك المعزية، واضطر خشداشية أقطاي من المماليك إلى الفرار، ومنهم بيبرس البندقداري وقلاوون الألفي، حيث لم يستطيّعوا مغادرة القاهرة التي كانت موصدة الأبواب، إلا بحرق إحدى الأبواب التي ظلت تسمى بالباب المحروق، وتابعوا هربهم نحو الشام وتفرقوا ما بين دمشق وحلب والكرك ودولة السلاجقة٦.

وعند ذلك قام أيبك بمصادرة أموال المماليك الفارين، وتجريد من بقي منهم في مصر من سلطاتهم، ولم يفلح الملك الناصر يوسف صاحب حلب ودمشق والمنافس السابق لشجر الدر في مساعدتهم، فاضطروا للتوجه إلى المغيث عمر في الكرك٧. ولإبطال حجة الملوك


١ هو الملك الناصر صلاح الدين يوسف، بن العزيز محمد، بن الظاهر غازي، بن صلاح الدين يوسف بن أيوب ولد ٦٢٧ هـ_ ١٢٢٩ م، وحكم حلب ٦٣٤- ٦٥٨ هـ (١٢٣٦ -١٢٦٠ م) ودمشق ٦٤٨- ٦٥٨ هـ (.١٢٥- ١٢٦٠م) وقتل ٦٥٨ هـ ١٢٦٠م. أبو شامة، الذيل ٢/ ٢٣٦
٢ امتنع الأمراء القيمرية بدمشق عن مبايعة شجر الدر وذلك بزعامة الأمير حمال الدين بن يغمور نائب السلطة بدمشق، وكتبوا يستعينون بالملك الناصر صلا الدين بن يوسف صاحب حلب فجاء ودخل دمشق ١٠ ربيع الثاني ٦٤٨ هـ ١٢٥٠م دون قتال.
٣ المقريزي، السلوك: ١/ ٣٦٧- ٣٦٩.
٤ أبو المحاسن، النجوم: ٦/ ٣٧٤.
٥ ابن إياس، بدائع الزهور: ١/ ٤٠.
٦ المقريزي، السلوك: ١/ ٣٦٦- ٣٦٨ ٠ ابن كثير البداية والنهاية جـ١٣ ص ١٨٥.
٧ هو الملك المغيث، فتح الدين عمر بن العادل سيف الدين أبي بكر بن الكامل بن العادل بن أيوب، كان بالقَاهرة عند عماته وذلك لدى موت الملك الصالح أيوب، فاعتقله الأمير حسام الدين نائب السلطنة حتى لا ينصبه فخر الدين ملكا، ولما جاء تورانشاه وتولى السلطنة، نفاه إلى الشوبك وسجنه، وهو آخر ملك أيوبي على الكرك، قبض عليه بيبرس وقتله عام ٦٦١ هـ (١٢٦٣م) . (القلقشندي، صبح الأعشى: ٤/ ١٧٦)

<<  <   >  >>