للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الذين رأوا في ذلك ضياعا لجزء هام من أملاك الأسرة الأيوبية، فعارضوا ذلك بشده وعلى رأسهم السلطان يوسف صاحب حلب ودمشق، فصار الملك لويس يساوم كلا الجانبين- الأيوبيين والمماليك- ويعدهما بالمساعدة حتى اتفق أخيرا مع السلطان معز الدين أيبك على أن يطلق المماليك عددا كبيرا من الأسرى الصليبين، وعلى إعادة رؤوس الفرنجة المعلقة حول أسوار القاهرة منذ وقعة غزة، وأن يتنازل المماليك عن النصف الثاني من الفدية المفروضة على لويس التاسع، وتعهدوا بإعادة بيت المقدس إلى الصليبيين، وذلك كله مقابل أن يقف الملك لويس، إلى جانبهم في حِربهم ضد الناصر يوسف صاحب الشام وأتفق على "أن تكون هذه الاتفاقية خمسة عشر عاماَ"١.

هذا ولم تشر المصادر الإسلامية إلى هذه الاتفاقية غير ما أورده العيني عندما قال: "ومال الجيش المصري بالفرنج، ووعدوهم أن يسلموا إليهم بيت المقدس- إن نصروهم على الشامين- وكانت قد اشتدت الحرب بينهم"٢ ورغم شعور الإنسان بالأسى والأسف لهذه المعاهدة، إلا أن من يعرف المماليك يوقن أنهم لم يكونوا معنيون بتنفيذ بعض بنودها، وخصوصا ما يتعلق منها بإعادة القدس إلى الصليبيين، أو تسليمهم ما هو غرب نهر االأردن، وأنهم كانوا يرون فيها خدعة تكتيكية لكسب الصليبين إلى جانبهم أو إبقائهم على الحياد، فباشروا أولا في تنفيذ بعض البنود كدليل على مصداقيتهم، فأخلوا سبيل باقي أسرهما الافرنج، وتنازلوا عن بقية الفدية المتبقية والبالغة حوالي ربع مليون جنيه ذهبي مصري، وأعادوا رؤوس قتلى الفرنج التي كانت معلقة على أسوار القاهرة منذ واقعة غزة٣.

وعليه توجه لويس التاسع من جانبه بقواته من قيسارية إلى يافا، وانتظر وصول المماليك للانضمام إليه لمحاربة الناصر يوسف، ولكن الملك الناصر يوسف أرسل جيشا رابط في غزة ليحول دون اجتماع جيوش الصليبيين والمماليك٤، مما أفسد عليهم خطتهم، وأخيرا تدخل الخليفة العباسي المستعصم بالله فسارع إلى التوسط بين الأيوبيين والمماليك فجنب بذلك القدس من السقوط مرة أخرى بأيدي الصليبيين٥، كما جنب المسلمين سفك دماء


١ انظر: جوزيف نسيم، العدوان الصليبي على بلاد الشام، ص: ١٧٧_ ١٨٧، دار النهضة، بيروت، ١٩٨١م نقلاً عن مصادر أجنبية معترضة.
٢ العيني: عقد الجمان: ١٨ قسم ٢ لوحة ٣٤٤، وكذلك عقد الجمان (مجموعة الحروب الصليبية جـ٢ قسم ١ص٢١٥) ، انظر كذلك: ابن كثير، البداية والنهاية: ١٣/١٨٤.
٣ انظر: د. جوزيف نسيم، العدوان الصليبي على بلاد الشام، ص: ١٨٢ نقلاً عن جونفيل وهو مؤرخ مغرض
٤ المقريزى، السلوك: جـ١ قسم ٢ ص ٣٨١، ابن خلدون: العبر: ٥/ ٣٧٥.
٥ د. أحمد العبادي، قيام دولة المماليك الأولى في مصر والشام، ص٢٢١، دار النهضة، بيروت، ١٩٦٩م.

<<  <   >  >>