للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الجرائم خرج من مصر متوجها إلى الشام للقضاء على هذا الخطر، ولكنه لم يكد يغادر أرض مصر، حتى تعرض لمؤامرة داخلية جاءت من قبل بعض المماليك الذين يدعون بالمماليك الظاهرية١. حيث تآمروا عليه بالاتفاق سرا مع الصليبيين. فواجه الموقف بسرعة وقبض عليهم فأعدم بعضهم وسجن البعض الآخر وأعاد النظام إلى صفوف جيشه٢.

فر المغول عندما علموا بوصول جيش الناصر قلاوون إلى غزة في طريقه لمحاربتهم، فأخلوا مدينة حلب والحصون التي كانوا قد احتلوها وأسرعوا عائدين نحو العراق٣ ولم يصمد الأمير سنقر بدوره أمام جيش قلاوون وفر هاربا إِلى المغول محاولا مرة أخرى حضهم على غزو مصر٤.

عندئذ رأى السلطان قلاوون أن أخطر هؤلاء الأطراف الثلاثة المتآمرين هم المغول، عقد صلحا مع الصليبيين من داوية واسبتاريه ومع بوهيمنند السابع أمير طرابلس، مدته عشر سنوات، وذلك عام ٦٨٠ هـ (١٢٨١م) . وعفا عن الأمير سنقر الأشقر وعينه حاكما على أقليم أنطاكية٥، واتفق مع الصليبيين في عكا بأن يكونوا على الحياد. وبهذا تفرغ لمقارعة المغول الذين عادوا التوجه نحو الشام بقيادة أبغا، يؤازرهم حليفهم ليو الثالث ملك أرمينيا الصغرى، فالتقى بهم قلاوون عام ٦٨٠ هـ (١٢٨١م) في حمص وهزمهم بعد أن (هلك منهم خلق كثير) ٦.

وهنا قرر الناصر أن ينتقم من الصليبين مستغلا، نصره على المغول وغير عابئ بصلحه معهم عام ٦٨٠ هـ الذي كانت مدته عشر سنوات ولما يمض عليه سوى أربع سنوات فهاجم عام ٦٨٤ هـ (١٢٨٥م) حصن المرقب٧، ففتح ذلك الحصن الهام الذي كان فتحه خسارة كبرى للصليبيين لأنه أن أهم حصونهم٨ ثم أتبع ذلك بالاستيلاء على


١ نسبه إلى الظاهر بيبرس.
٢ مفصل بن أبي الفضائل، النهج السديد: ٢/٣٢٢. وذكر ابن إياس ٩٣٠هـ (١٥٢٣م) ، أبو البركات محمد بن أحمد، بدائع الزهور في وقائع الدهور، ثلاثة أجزاء، بولاق، ١٣١٢هـ، أن هذه الحادثة من قبل المماليك الظاهرية كانت سببا لإقدام الناصر قلاوون على إنشاء المماليك البرجية.
٣ أبو المحاسن: النجوم: ٧/٢٩٩.
٤ المقريزي: السلوك: ١/٦٧٦.
٥ النويري: نهاية الأرب: جـ٢٩ ورقة ٢٧٠.
٦ رشيد الدين الهمداني (١٣١٨هـ) ، جامع التواريخ: ٢/٨٣.
٧ المُرَقَّب بالفتح ثم السكون وقاف وباء بلد وقلعة حصينة تشرف على ساحل بحر الشام. زكريا بن محمد بن محمود القزويني: آثار البلاد وأخبار العباد، ص ٢٤، دار صادر، بيروت.
٨ المقريزي: السلوك: ١/٦٢٨.

<<  <   >  >>