للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الأمير حسام الدين طرنطاي نائب السلطنة الذي تآمر عليه، ثم استعد للخروج إلى الشام، ورغم محاولة الصليبيين ثنيه عن ذلك بأن أرسلوا إليه (يسألونه العفو) فإنه (لم يقبل منهم ما اعتذروا به) ١.

توجه نحو عكا، واجتمعت إليه جيوش مصر والشام سنة ٦٩٠ هـ (١٢٩١م) فقام بمحاصرتها مدة أربعة وأربعين يوما، ورماها بالمنجنيق، حتى فتحها في جمادى الأول من عام ٦٩٠ هـ (١٢٩١م) ، رغم المقاومة العنيدة التي أبدتها حاميتها، وإمدادات قبرص لها٢ - حيت أن الصليبين كانوا يعلمون أنها آخر أمل لهم في البقاء في الشام- وقد فر بعض سكانها إلى عرض البحر المتوسط وتكدسوا في السفن التي غرق بعضها لكثرة من كانوا على ظهرها٣.

وبعد ذلك قام الأشرف خليل بالاستيلاء بسهولة على بقية ما تبقى بأيدي الصليبين مثل صور وحيفا اللتين قاومتا مقاومة كبيرة، ثم اضطرتا للتسليم فنجتا بذلك من التخريب٤، ثم استولى الأشرف خليل على عتليت وصيدا وانطرسوس٥، وبهذا تم القضاء نهائيا على الوجود الصليبي في الشام، وإن كان الصليبيون في جزيرة إرواد٦ المقابلة للساحل الشرقي قد ظلوا يغيرون على السواحل بين الفينة والأخرى ويقطعون الطرق، مما أزعج نائب السلطنة المملوكية على الشام، وجعله يطلب معونة السلطان الناصر محمد بن قلاوون، فجهز أسطولا ووجهه نحو هذه الجزيرة بعد أن ضم إليه جيش طرابلس ففتحها وملكها وقتل من أهلها خمسمائة٧ وذلك عام ٧٠٢ هـ (١٣٠٢م) .

وهكذا بالقضاء على الصليبين في عام ٦٩٠ هـ (١٢٩١م) وبزوال الخطر المغولي عن الشام ومصر، أصبح لدولة المماليك شأن عظيم في السياسة الدولية خصوصاً في عهد سلطانها الناصر محمد ابن قلاوون في سلطنته الثالثة.

أدرك الصليبيون في أوربا فشل محاولاتهم المتلاحقة للعدوان على بلاد الإسلام في الشام ومصر، ورأوا زوال آخر إماراتهم بعد قرنين من تأسيسها، رغم ما بذل في سبيل إقامتها


١ المقريزي: السلوك: ١/ ٧٦٢.
lane_ Poole: op. cit. p. ٢٨٩٢.
٣ أبو المحاسن. النجوم: ٨/ ٦- ٧.
٤ المقريزي: السلوك: ١/ ٧٦٥.
٥ سعيد عاشور: الحركة الصليبية: ٢/ ١١٨٣، ١١٨٤.
٦ جزيرة على ساحل بلاد الشام، فتحها المسلمون سنة ٥٤هـ (انظر: لفظ إرواد في معجم البلدان) .
٧ أبو الفداء: المختصر: ٣/٤٣.

<<  <   >  >>