للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد اختلف حكمهما بالنسبة للأزواج، حيث اقتضى ظاهر الأولى أنهم إذا رموا المحصنات ولم يأتوا بأربعة شهداء يجلدون ثمانين جلدة واقتضت الثانية عدم جلدهم عند الرمي وعدم إحضار الشهود، وأن شهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. وقد نزلت الآية الكريمة الثانية الخاصة بالأزواج بعد الآية الكريمة الأولى العامة في الأزواج وفي غيرهم١.

وقد اختلف العلماء في حكم هذه الحالة: فذهب الجمهور إلى أن الخاص يخصص العام٢. وذهب الحنفية إلى عدم التخصيص، بل إن الخاص ينسخ العام بقدره٣.

الأدلة: أولا: أدلة الجمهور

استدل الجمهور على أن الخاص المتراخي عن العام يخصصه بما يلي:

ا - قوله تعالى: {ِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} ٤

وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} ٥.

فالآية الكريمة الأولى عامة تعم كل معبود ولم يقترن بها تخصيص، والآية الكريمة الثانية خاصة بالذين سبقت لهم من الله الحسنى كعيسى ابن مريم والملائكة عليهم السلام، وأخرجتهم من عموم الأولى فخصصتها، وقد نزلت الثانية بعد الأولى متراخية عنها٦.

فلو لم يكن التخصيص بالمتراخي جائزاً لما وقع لكنه وقع في هذه الآية الكريمة، والوقوع يستلزم الجواز، فدل هذا على أن تأخير المخصص جائز٧.

وأجيب عن هذا الدليل:

أ - بأن قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} لا يعم المعبودين كلهم، وإنما يعم معبود المخاطبين وهم أهل مكة فقط، وهو الأصنام. لأن الأصنام هي الموصوفة بعبادة المخاطبين لها، والموصول إنما يعم الموصوفين بالصلة، فلا تعم الآية الذين


١ راجع: صحيح البخاريَ (٦/ ٤) وجامع البيان (١٧/ ٦٤-٦٧) ومرآة الأصول (١/ ٣٣٤) .
٢ انظر: الأحكام للآمديَ (٢/ ٤٦٣) والمختصر مع شرح العضد (١/١٤٧-١٤٨) . وابن قدامة وآثاره الأصولية (١/٢٥١) .
٣ راجع: مسلم الثبوت مع شرحه (١/٣٤٥،٣٤٩) .
٤ الأنبياء: ٩٨.
٥ الأنبياء: ١٠١.
٦ راجع: أسباب النزول للواحدي (ص/ ٢٢٩و- ٢٣٠) وتفسير ابن جزي (٣/٣٣) وتفسير ابن كثير (٣/ ١٩٩) وأسباب النزول للسيوطي بهامش تفسير الجلالين (ص/٥٠٨،٥١٠) .
٧ راجع: الأحكام للآمدي (٢/ ٤٦٥) والأسنوي على المنهاج (٢/١١٠) ، والبد خشي على المنهاج (٢/ ١٨٦) .

<<  <   >  >>