للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذا ومن نظر في عمومات القرآن الكريم والسنة الشريفة يرى كثيراً منها خصصت بأدلة متأخرة عنها مثل قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} ١ فهذا عام ثم ورد بعده قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} ٢ مخصصاً لعمومه متأخراً وكذلك بقية الأعذار، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس في الخضروات صدقة" ٣، ثم قال بعد ذلك: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"٤، ومثلٍ قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} ٥، ثم ورد قوله صلى الله عليه وسلم: "في أربعين شاة شاة" ٦ بعد ذلك متأخرا.

الحالة الثالثة: تقدم الخاص على العام

ومثلوا له بما روي عن أنس٧ قال: "قدم أناس من عكل - أو عرينة - فاجتووا٨ المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح٩ وأن يشربوا من أبوالها وألبانها ... الحديث " ١٠.

وبما روي عن ابن عباس ١١ رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا من البول " ١٢.

فالحديث الأول خاص في الأمر بالشرب من أبوال الإبل. والحديث الثاني عام يشمل الأمر بالاستنْزاه من كل بول، أبوال الإبل وغيرها. وقد اختلف حكمهما بالنسبة لأبوال الإبل فاقتضى الأول جواز شربها للتداوي واقتضى الثاني عدم جواز شربها ضمن دلالته على.


١التوبة: الآية ٤١.
٢النور: الآية ٦١.
٣ رواه الدارقطني. وذكر صاحب المعنى أن في إسناده ضعيفين انظر: سنن الدارقطني، والتعليق المغني (٢/ ٩٤-٩٥) .
٤ رواه البخاري. أنظر: صحيحه مع الفتح (٣/ ٣٥٠) .
٥ البقرة: ٤٣.
٦ رواه ابن ماجة بهذا اللفظ. ورواه البخاري بلفظ: "وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة".
راجع: صحيح البخاري مع الفتح (٧/٣١٧) وسنن ابن ماجه (١/٥٧٧) .
٧ هو: أبو حمزة، أنس بن مالك بن النضر، الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. خدمه عشر سنين مدة إقامته بالمدينة، روى عنه حديثا كثيرا، توفى رضي عنه بعد أن جاوز عمره مائة سنة، عام ٩٣ هـ وقيل غير ذلك. انظر: تهذيب الأسماء واللغات (ص/ ١٣٧) .
٨ أي كرهوا المقام فيها وإن كانوا في نعمة إذْ تضرروا بالإقامة، حيث لم يوافقهم هواؤها، والكلمة مأخوذة من الجوى. وهو المرض، وداء الجوف. أنظر: النهاية لابن الأثير (١/ ٢٦٢) وفتح الباري (١/٣٣٧) .
٩ اللقاح جمع لقحة بكسر اللام. وهي الناقة ذات اللبن وغزيرته. انظر: النهاية (٤/٣١٨) وفتح الباري (١/٣٣٨) .
١٠ متفق عليه. واللفظ للبخاري. انظر: صحيحه مع الفتح (١/ ٣٣٥) .
١١ هو: أبو العباس، عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، الصحابي ابن الصحابي المكي ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، لقب بحبر الأمة وترجمان القرآن دعا له النبي بها بالعلم. وهو أحد الستة من الصحابة الذين هم أكثرهم رواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم. توفى رضي الله عنه سنة ٦٨ هـ. انظر: تهذيب الأسماء (ص/ ٢٧٤) .
١٢ رواه الدارقطني، وقال: لا بأس به. انظر: سننه (١/١٢٨) .

<<  <   >  >>