بزيادة (أقبل) على ما في النمل وذلك له أكثر من سبب.
منها: أن مقام الإيجاز في النمل يستدعي عدم الإطالة، بخلاف مقام التفصيل في القصص.
ومنها: أن شيوع جو الخوف في القصص يدل على إيغال موسى في الهرب، فدعاه إلى الإقبال وعدم الخوف.
فوضع كل تعبير في مكانه الذي هو أليق به.
١٣- قال في النمل:{إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون} .
وقال في القصص:{إِنَّكَ مِنَ الآمنين} .
ذلك أن المقام في سورة القصص مقام الخوف، والخائف يحتاج إلى الأمن، فأمَّنه قائلاً:{إِنَّكَ مِنَ الآمنين} .
أما في سورة النمل فالمقام مقام التكريم والتشريف، فقال:{إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون} ، فألمح بذلك إلى أنه منهم، وهذا تكريم وتشريف. ثم انظر كيف قال:{لَدَيَّ} مُشْعِراً بالقُربِ وهو زيادةٌ في التكريم والتشريف.
ثم انظر من ناحية أخرى كيف أنه لما قال في سورة النمل {لَدَيَّ} المفيدة للقرب ناداه بما يفيد القرب فقال: {ياموسى} ولم يقل: {أَن ياموسى} كما قال في القصص، ففصل بين المنادي والمنادَى بما يفيد البعد. وأمره أيضاً بما يفيد القرب بلا فاصل بينهما فقال:{أَلْقِ عَصَاكَ} ولم يقل: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} للدلالة على قرب المأمور منه. فناداه من قُرْبٍ وأمرَهُ من قرب، وذلك لأنه كان منه قريباً، فانظر علو هذا التعبير ورفعته.