سأل سائل: لِمَ وحّد تعالى: (النَّهَر) في هذه الآية ولم يجمعه مع أن الجناتِ قبله جَمْعٌ بخلاف المواضع الأخرى من القرآن الكريم، فإنه إذا جمع الجنة، جمع النهر أيضاً فيقول:{جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} ؟
والجواب: أنه جمع في لفظ (النهَر) عدة معان وأعطى أكثر من فائدة لا يفيدها فيما لو قال: (أنهار) . ذلك أنه علاوة على أن فواصل الآيات، تقتضي (النهَر) لا (الأنهار) لأن آيات السورة على هذا الوزن فقد جاء قبلها: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزبر * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ} وجاء بعدها: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} فإن المعنى أيضاً يقتضي ذلك من جهات أخرى منها:
أن النهَر اسم جنس بمعنى الأنهار، وهو بمعنى الجمع. وقد يؤتى بالواحد للدلالة على الجمع والكثرة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"أهلكَ الناسَ الدينارُ والدرهم". والمراد بالدينار والدرهم الجنس لا الواحد.
وجاء في (معاني القرآن) للفراء: "ونهَر معناه أنهار. وهو في مذهبه كقوله:{سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} . وزعم الكسائي أنه سمع العرب يقولون: أتينا فلاناً فكنا في لحمة ونبيذةٍ. فوحّد ومعناه الكثير".