١٥- قال في النمل:{وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} .
وقال في القصص:{اسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} .
لقد استعمل في سورة القصص أمر الفعل (سلكَ) الذي يستعمل كثيراً في سلوك السُّبُل فيقال: سلك الطريق والمكان سَلْكاً، قال تعالى:{والله جَعَلَ لَكُمُ الأرض بِسَاطاً * لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً}[نوح: ١٩-٢٠] . ذلك لأنه تردد سلوكُ الأمكنةِ والسبل في قصة موسى في القصص، بخلاف ما ورد في النمل. فقد ورد فيها، أي: في سورة القصص سلوك الصندوق بموسى، وهو مُلقى في اليمّ إلى قصر فرعون، وسلوك أخته وهي تقصُّ أثره. وسلوك موسى الطريق إلى مدين بعد فراره من مصر، وسلوكه السبيلَ إلى العبد الصالح في مدين، وسَير موسى بأهله وسلوكه الطريق إلى مصر، حتى إنه لم يذكر في النمل سَيره بأهله بعد قضاء الأجل، بل إنه طوى كُلَّ ذِكْرٍ للسير والسلوك في القصة. فقال مبتدئاً:{إِذْ قَالَ موسى لأَهْلِهِ إني آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ} بخلاف ما ورد في القصص، فإنه قال:{فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطور نَاراً} فحسن ذكر السلوك في القصص دون النمل.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، إن الفعل (دخل) ومشتقاته تكرر خمس مرات في النمل في حين، لم يرد هذا الفعل ولا شيء من مشتقاته في القصص، فناسب ذكره في النمل دون القصص.
ومن ناحية أخرى، إن الإدخال أخص من السَّلْك أو السلوك اللذين هما مصدر الفعل سلك، لأن السَّلْك أو السلوك، قد يكون إدخالاً وغير إدخال، تقول: سلكتُ الطريق وسلكت المكان، أي: سرتُ فيه، وتقول: