ثم انظر كيف جاء بالخشوع بالصيغة الاسمية الدالة على الثبات ولم يقل:(يخشعون) للدلالة على أنه وصف لهم دائم في الصلاة غير عارض، فإن الصلاة إذا ذهب منها الخشوع كانت ميتة بلا روح.
ثم انظر كيف أنه لما وصفهم بالإيمان على جهة الثبوت، وصفهم بالخشوع في الصلاة على جهة الثبوت والدوام أيضاً. فإنه لو قال:(يخشعون) لَصحَّ الوصفُ لهم وإن حصل لحظة في القلب أو الجارحة في حين أنه يريد أن يكون لهم الاتصاف بالخشوع في القلب والجوارح ما داموا في الصلاة.
وتقديم الجار والمجرور (في صلاتهم) على (خاشعون) له دلالته أيضاً، ذلك أن التقديم يفيد العناية والاهتمام، فقدَّمَ الصلاةَ لأنها أَهمُّ ركنٍ في الإسلام حتى أنه جاء في الأثر الصحيح، أن تاركها كافرٌ هادمٌ للدين، وحتى أن الفقهاء اختلفوا في كفر تاركها فمنهم مَنْ قال: إن تاركها كافر وإنْ نطق بالشهادتين.
في حين أنه لو قدم الخشوع لكان المعنى أن الخشوع أهم، وليس كذلك فإن الصلاة أهم. والصلاةُ من غير خشوع أكبرُ وأعظم عند الله من خشوعٍ بلا صلاة، فإن المصلي، وإن لم يكن خاشعاً أسقط فرضه وقام بركنه بخلاف من لم يصلّ.
وقد تقول: وكيف يكون خشوع بلا صلاة؟
فنقول: إن الخشوع وَصْفٌ قلبي وجسمي، يكون في الصلاة وغيرها، ويوصف به الإنسان وغيره. قال تعالى:{وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمان فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً}[طه: ١٠٨] ، فوصف الأصوات بالخشوع.